وترضعه ، فبعث إلى دانيال ، فقال : ما رأيت في المنام؟ فقال : رأيت كأنّ رأسك من كذا ، ورجلك من كذا ، وصدرك من كذا! قال : هكذا رأيت ، فما ذاك؟ قال : قد ذهب ملكك وأنت مقتول في ثلاثة أيّام ، يقتلك رجل من ولد فارس! فقال : إنّ عليّ لسبع مدائن ، على باب كل مدينة حرس ، وما رضيت بذلك حتّى وضعت بطّة من نحاس على باب كلّ مدينة ، لا يدخل غريب إلّا صاحت عليه حتّى يؤخذ! فقال له : إنّ الأمر كما قلت لك! قال : فبثّ الخيل وقال : لا تلقون أحدا من الخلق إلّا قتلتموه كائنا من كان. وكان دانيال جالسا عنده ، وقال : لا تفارقني هذه الثلاثة الأيّام ، فإن مضت قتلتك. فلمّا كان في اليوم الثالث ممسيا أخذه الغمّ ، فخرج فتلقّاه غلام كان يخدم ابنا له ، من أهل فارس ، وهو لا يعلم أنّه من أهل فارس ، فدفع إليه سيفه ، وقال له : يا غلام لا تلقى أحدا من الخلق إلّا وقتلته ، وإن لقيتني أنا فاقتلني ، فأخذ الغلام سيفه فضرب به بخت نصرّ ضربة فقتله.
وخرج إرميا على حماره ومعه تين قد تزوّده وشيء من عصير فنظر إلى سباع البرّ وسباع البحر وسباع الجوّ تأكل تلك الجيف (١) ، ففكّر في نفسه ساعة ثمّ قال : أنّى يحيي الله وقد أكلتها السباع؟ فأماته الله مكانه مأة عام ثمّ بعثه أي أحياه ، فلمّا رحم الله بني إسرائيل وأهلك بخت نّصر ، ردّ بني إسرائيل إلى الدنيا. وكان عزير لمّا سلّط الله بخت نّصر على بني إسرائيل ، هرب ودخل في عين وغاب فيها ، وبقي إرميا ميّتا مأة سنة ، ثمّ أحياه الله ، فأوّل ما أحيى منه عينيه في مثل غرقئ البيض ، فنظر فأوحى الله إليه : (كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً) ثمّ نظر إلى الشمس قد ارتفعت ، فقال : (أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) فقال الله : (بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ) أي لم يتغيّر (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً) فجعل ينظر إلى العظام البالية المنفطرة تجتمع إليه ، وإلى اللّحم الّذي قد أكلته السباع يتألّف إلى العظام من هنا وهنا ، ويلتزق بها حتّى قام وقام حماره ، فقال : (أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)». (٢)
__________________
(١) ولعلّ في العبارة سقطا : وأنّه رأى جيفا كثرة مطروحة هنا وهناك ، ونظر إلى السباع تزدحم على تلك الجيف. والجيف كانت من بني إسرائيل قتلهم بخت نصرّ ـ على ما زعمه واضع الحديث ـ.
(٢) نور الثقلين ١ : ٢٧١ ـ ٢٧٥ ؛ القميّ ١ : ٨٦ ـ ٩١ ؛ البحار ١٤ : ٣٥٦ ـ ٣٦٠ / ١ ، باب ٢٥ ؛ البرهان ١ : ٥٤٣ ـ ٥٤٦ / ١ ؛ الصافي ١ : ٤٥٠ ـ ٤٥٤ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٤٢١ ـ ٤٢٦.