سبيل دينهم وحفظ إيمانهم. أنتم في مدّة حياتكم شربتم شربة الشهادة مرة واحدة ، لكنّهم كانوا يقتلون بسهام البلايا وسيوف الحوادث والمحن في سبيل ربّهم كلّ يوم مرات عديدة ويصبرون ولا يشتكون. فأنتم لستم في درجاتهم ورتبهم العالية ... فهنيئا لهم ثم هنيئا. ونقل أن كفّار مكة قالوا للنبيّ : لم جئت بدين غير ديننا ، فاقتد بأشراف قومك وآبائنا الأوّلين وكن على طريقتهم وخلّ البدعة ودينك الجديد حتّى تستريح من تلك الغصص والشّدائد والآلام فنزلت الآية الكريمة التالية :
١١ و ١٢ ـ (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ ...) قل يا محمد لهؤلاء الجهلة والمشركين من أهل مكة : إنّ الذي جئت به من الدّين ليس من عند نفسي بل هو دين الله وأنا مأمور منه بتبليغه إلى الناس جميعا وأنا أوّل العابدين والمطيعين له تعالى (مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) أي أعبده ولا أعبد معه سواه ، عبادة خالصة لا يشوبها شيء موحّدا له الدّين الحق. (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) أي أقدمهم في الدنيا والآخرة. أو المراد من الشريفة أن الله تعالى أمرني لأن أسلم أوّلا فيما أدعو الناس إليه حتى أكون في جميع الأفعال والأقوال مقتدى بي. ويؤيد هذا المعنى قوله (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) ثم قال صلىاللهعليهوآله خوطبت من عنده تعالى بقوله عزّ من قائل :
١٣ ـ (قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ...) أي بترك الأوامر والإخلاص في العبادة وأخشى عذاب يوم عظيم. ثم أمره تعالى بأن يخبر المشركين بانقياده لأوامره ربّه واشتغاله بالإخلاص الكامل في عبادة الله تعالى ، كي يقطع رجاء المشركين وطمع المعاندين عن رغبة النبيّ (ص) في دينهم ويتيقّنوا إعراضه عن مذاهبهم الباطلة فقال سبحانه :
١٤ و ١٥ ـ (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي ...) أي أخضع لربّي في حال أنني أنزّه ديني وأطهّره عن شوب الشّرك ولوث الرّياء ، ولا أعبد سواه. ثم