العارف بالتوحيد عن أدلتها والحجج الدالة عليها. فهما ليسا مساويين والفرق بينهما كالفرق بين الأعمى والبصير لا يحتاج إلى بيان (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ) أي لا يكون المحسن العامل بالأعمال الصّالحة مساويا للمسيء (قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ) لفظة قليلا منصوبة بناء على أنها صفة لمفعول مطلق ، أي : تتذكّرون تذكّرا قليلا. و (ما) زائدة للتّأكيد لجهة القلّة.
٥٩ ـ (أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها ...) وبما أن الدنيا دار تكليف لا جزاء ، فلا بدّ من عالم آخر حتّى يجزى المحسن بثواب عمله ، والمسيء يعاقب بأعماله السيّئة على مقتضى عدله جلّ وعلا ، ولذا يقول سبحانه (إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ) ، الآية أي تأتي بلا شكّ ولا شبهة لدلالة العقل والنقل على وقوعها وإجماع جميع الرّسل على الوعد بها ، ومع وضوح مجيئها (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) أي لا يصدّقون بها لقصور نظرهم على ظاهر ما يحسّون به وحصره في تقليد آبائهم وتقيّدهم بعدم النظر في الدلائل والبراهين وهذا هو المانع الأقوى لعدم تصديقهم بأقوال رسلهم وكتبهم السماوية. ثم إنّه تعالى لترغيب العباد في قبول الإيمان ولحضّهم على اتّباع الرسل قال فيما يلي :
* * *
(وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (٦٠) اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ