الناس إلى التوحيد تكرر لأن في ذلك فوائد كثيرة ومنافع عديدة للعباد منها تنبيه الخلق وتعويدهم إلى ما فيه الخير (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) أي ترتعد خوفا من وعيده ، وهو مثل في شدّة الخوف. وفي المجمع عن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : إذا اقشعرّ جلد العبد من خشية الله تتحات عنه ذنوبه كما يتحاتّ عن الشّجر اليابسة ورقها (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) أي بعد الارتعاش وارتعاد القلوب حين قراءة آيات الوعيد عليهم أو قراءتهم بأنفسهم تلك الآيات ، تطمئنّ قلوبهم إلى ذكر الله إذا استمعوا آيات الرحمة والمغفرة فتلين بعد الخوف الشديد الذي سبب اضطرابها بتلك الأذكار والآيات وكذلك الأبدان ، فإذا اطمأنّ القلب يطمئنّ البدن بعد التزلزل والقشعريرة. وأمّا وجه الاستناد إلى الجلود دون الأبدان مع أن الظاهر أن المراد هو الأبدان ، فلعلّها لما كانت الجلود هي المرئية في بدء النظر فمن هذا الوجه آثرها عليها. (ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ) أي الكتاب المنزل هاد إلى الله تعالى بما فيه من نصب أدلّة التوحيد والبراهين الواضحة والحجج السّاطعة لإثبات الصّانع للعالم وهدايته. والرّسل وسائر الهداة منوط أمرهم ومنحصر بمشيئة الله وإرادته تعالى أي بمن يشاء من عباده. ويحتمل أن يكون المقصود من كون الكتاب هدى الله أي بواسطة دعاته وهداته كما يقال فلان من دعاة فلان. ولو كانت النتيجة واحدة إلّا أن ظاهر اللفظ يساعد على هذا المعنى الأخير ولا سيّما بقرينة قوله تعالى (يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ) أي أن الكتاب من وسائل هداية الله لعباده كما أن الأنبياء والرّسل كذلك (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) أي الذي يخلّى بينه وبين نفسه ويترك أمره إليه وباختياره ويخذله (فَما لَهُ مِنْ هادٍ) يخرجه من ضلالته.
٢٤ ـ (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ ...) أي بأن تغلّ يداه إلى عنقه فلا يتّقي عن نفسه إلّا بوجهه (سُوءَ الْعَذابِ) شدّته (يَوْمَ الْقِيامَةِ)