شدّة الإعجاب بما كان في أنفسهم فكانوا يدفعون بجهلهم المركّب علوم الأنبياء ويزاحمونهم في تبليغاتهم من قبل الله سبحانه. ويحتمل أن المراد بعلومهم علوم الفلاسفة في تلك الأعصار ، فإن تلك العلوم كانت رائجة وكان الفلاسفة إذا سمعوا بوحي من الله عن أحد أنبيائه صغّروه. وعن سقراط المعروف أنه لمّا سمع بمجيء بعض الأنبياء قيل له ، ولعل القائل بعض تلامذته ، لو هاجرت إليه ، فقال نحن قوم مهديّون مستغنون عنه وهم مبعوثون إلى ضعفاء العقول والأديان. وفي رواية أنّ النبيّ المبعوث إلى أهل زمان سقراط كان موسى عليهالسلام. وبالجملة كانوا يستحقرون علم الأنبياء ويستهزئون به (وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي نزل عليهم وأحاط بهم العذاب جزاء لاستهزائهم وسخريتهم بالرّسل وعلومهم.
٨٤ ـ (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا ...) أي لمّا شاهدوا شدّة عذابنا قالوا صدّقنا (بِاللهِ وَحْدَهُ) وآمنّا بأنه لا إله إلّا هو (وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ) أي مشركين بالله بعبادتنا للأصنام.
٨٥ ـ (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ ...) لأن الإيمان الاضطراريّ والإلجائيّ لا يقبل وايمانهم حدث وأعلنوه حين صاروا ملجئين إليه كما قال تعالى : إنهم آمنوا (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) أي ما دام لم يروا العذاب ما آمنوا ، ولا كانوا يؤمنون إذا لم يشاهدوا العذاب الشديد (سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ) أي سنّ الله ذلك سنّة جارية ماضية في الأمم ، فلن يبدّل عادته المطّردة في كلّ الأمم بأن الإيمان عند البأس لا يقبل (وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ) كلمة (هُنالِكَ) اسم مكان وقد أستعير للزمان أي وقت رؤيتهم العذاب. وفي العيون عن الرّضا عليهالسلام أنّه سئل : لأيّ علّة أغرق الله تعالى فرعون وقد آمن به وأقرّ بتوحيده؟ قال لأنّه آمن عند رؤية البأس ، والإيمان عند رؤية البأس غير مقبول ، ذلك حكم الله