والسّادس تقديم المغفرة على الرّحمة فإنه كاشف عن كثرة عنايته بها وشدتها أكثر من عطفه على الرّحمة ، فهذه وغيرها من الأسرار التي تستفاد من الآية تؤكّد ما قلناه. وعن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنه قال : ما أحبّ أنّ لي الدنيا وما فيها بهذه الآية والرّوايات الكثيرة وردت بأن الشريفة واردة في شيعة آل محمد. وفي الكافي عن الصّادق عليهالسلام : لقد ذكركم الله في كتابه إذ يقول (يا عِبادِيَ) ، الآية ...
٥٤ و ٥٥ ـ (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ ...) أي ارجعوا إلى الله توبة عمّا سلف وتسليما لما خلف حتّى يغفر لكم جميع ما سلف. وقد حثّ سبحانه بهذه الكريمة على التوبة لكي لا يرتكب الإنسان المعصية ويدع التوبة اتّكالا على الآية المتقدّمة فتكون المتقدمة باعثة لجرأة الناس على المعاصي (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) حيث إن التوبة بعد وقوع العذاب لا تفيد ولا تمنع منه. فتوبوا أيها العباد إلى ربّكم (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) والمراد بما أنزل هو القرآن وأحسنه حلاله وحرامه ، واجباته ومحرّماته أوامره ونواهيه ، دون المباحات أو دون المستحبّات والمكروهات. أو المراد بالأحسن هو العزائم دون الرّخص (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) أي لا تلتفتون حين إتيانه ومجيئه حتى تتداركوه.
٥٦ ـ (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى ...) أي (لأن) أو كراهة أن يقول الإنسان يا ندمي أين أنت منّي ، ويا حسرتي احضريني (عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) أي قصّرت في حقّه تعالى أو في طاعته أو في تحصيل قربه (وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) كلمة (أَنْ) مخفّفة أي إنّي كنت لمن المستهزئين بالقرآن والرّسول والمؤمنين.
٥٧ ـ (أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي ...) أي أرشدني إلى دينه (لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) المتجنّبين لمعاصيه ولم أبتل بالشّرك وعبادة غيره.