وتوبيخا لأنفسهم هذا الكلام. أي : هل حسبتموهم من أدنياء الناس ومن أهل الخبل والمجانين مع كونهم من أشراف الناس وأعاظمهم الذين كانوا من أهل الجنّة ونحن من أصحاب النار فالاستفهام إنكاري (أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ) أي مالت وكلّت أعيننا عن رؤيتهم. ويمكن أن تكون (أَمْ) عدل قولهم (أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا) ومتّصلة. فيصير المعنى : هل كنّا نسخر منهم ونهزأ بهم ، أم نصرف نظرنا عنهم تحقيرا وازدراء؟ وهذا القول منهم في مقام التوبيخ لأنفسهم بأنه لماذا كنّا نحقّرهم ولا ننظر إليهم. ويمكن أن تكون (أَمْ) منقطعة ، فمعناه : أنستهزئ بهم وقد كان إعراضنا عنهم لاسترذالهم واستحقارهم فتنحرف أعيننا عنهم؟ وقيل (أَمْ) معادلة لقولهم (لا نَرى) فمعناه : أليس هؤلاء المخالفون لنا في الدّنيا في النار؟ أو يكونون معنا في النّار لكن عدلت أبصارنا عنهم فلا نبصرهم؟ ثم إنه سبحانه وتعالى لتحقّق وقوع هذه الحكاية أكّدها بقوله :
٦٤ ـ (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ...) أي المقالات المحكيّة عن الكفرة في النار من التابعين والمتبوعين صدق ومحقّق وقوعها بلا ريب. ثم بيّن أن هذه المقالات (تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) أي جدالهم ونزاعهم. وهذا الكلام بدل لقوله (لَحَقٌ) أو خبر لمبتدأ محذوف على ما أشرنا إليه. وسمّي تخاصما لأن قول الرؤساء (لا مَرْحَباً بِهِمْ) وقول الأتباع (بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ) من باب الخصومة ومجادلة بعضهم بعضا. وهذا من باب تسمية الكلّ باسم جزئه. وفي القمي عن الصّادق عليهالسلام : إنكم لفي الجنّة تحبرون وفي النار تطلبون وزاد في البصائر : فلا توجدون. والحبور هو السّرور أي تسرّون وتكرمون.
* * *