وزادت القساوة فيها كقوله تعالى (فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) فلم يتّعظوا بالترغيبات ولم ينزجروا بالترهيبات (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) على وجه لا يستر ولا يخفى ضلالهم وعدولهم عن الحق على أحد. وعن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنه قال : اطلبوا حوائجكم ممّن رقّ ولان قلبه من أمّتي لأن الله تعالى وضع الرحمة في قلوبهم ، ولا تطلبوها من ذوي القلوب القاسية لأنه جلّ وعلا جعل الغضب والخشونة في قلوبهم.
٢٣ ـ (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ...) أي القرآن في ابتدائه تعالى باسمه العظيم ، وإسناد الجملة الفعلية إليه تأكيد في استناد القرآن إليه سبحانه ، وتعظيم وتفخيم لشأن القرآن ، واستشهاد على أنّ أسلوب القرآن أحسن الأساليب ، وأنه من حيث البلاغة أحسن البلغاء وفيها تنبيه على أنّ القرآن نزل من عنده لا كما توهّمه البعض. وفيها أيضا إشعار على أنّه وحي إلهيّ ومعجزة باقية لخاتم الأنبياء واشتماله على جميع ما يحتاج إليه البشر في أدوار حياتهم ، وعلى إثبات صانع العالم وأدلّة التوحيد وحججه ، كما أنه جامع لجميع الأحكام الشرعية وغيرها من المواعظ والأخلاقيات والترغيبات والترهيبات ... وهذه المذكورات التي هي رشحة من رشحاته التي لا يحصيها العدّ موجبة لأن يعبّر عنه (بأحسن الحديث) وكم وكم من أسرار موجبة لأحسنيته وكانت مخفيّة علينا ومستورة عنّا (كِتاباً مُتَشابِهاً) أي يشبه بعضه بعضا في الإعجاز وفي جميع ما ذكرناه آنفا في وجه الأحسنيّة أو في بعضها. فالمراد بالتّشابه هو التشابه في هذه الأمور (مَثانِيَ) هذه صفة أخرى للكتاب أي يثنّى فيه القول ويتكرّر والفائدة في التكرار والتثنية لأنّ النفوس تنفر عن النّصح والوعظ ما لم يكرّر عليها عودا بعد بدء ولم يرسّخ فيها ولم تتعوّد ، ألا ترى قوله تعالى (وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) فتكثير الأمثلة وتكرير القصص وتوجيه