ومرادهم بالرجل العظيم الذي له مال كثير وجاه عريض وشهرة عند الناس. لكنهم أخطئوا وفاتهم أن العظيم هو الذي يكون عند الله عظيما ، وهم يعتبرون مقياس العظمة الجاه والمال وهذا رأي الجهلة الغفلة في كل زمان ومكان. وأمّا مقياس العظمة الحقيقية فهو عند الله تعالى وعند العقلاء هو عظمة النفس وسموّ الروح ، ومن أعظم نفسا وأسمى روحا من رسول الله صلىاللهعليهوآله حتى يتركه الله تعالى ويأخذ غيره لرسالته وأمره؟ لا والله ، إنه لا يوجد في جميع عوالم الكون بعد مرتبة الرّبوبيّة مرتبة أو مقام أعلى وأسمى من مقام الرسول الخاتم صلىاللهعليهوآلهوسلم فهنيئا لأمّته وتابعيه. وبسبب خطأ أولئك المعاندين في تشخيص من له الأهليّة للرّسالة ومنصب النبوّة ، أنكر سبحانه قولهم وردّ مقالتهم في تشخيصهم وقال :
٣٢ ـ (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) ... أي هل القرشيون المعاندون أخذوا بأزمّة أمور العالم بيدهم وصاروا مقسّمين لرحمة ربّك في النبوّة فيضعونها حيث شاؤوا ، ويعطونها لمن أرادوا ، فصارت مفاتيح الرسالة في قبضة اختيارهم واقتدارهم؟ وهذا الاستفهام إنكاريّ ، فيه تجهيل وتعجيب من تحكّمهم (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) أي نحن نقسم الأرزاق في المعيشة على حسب ما علمناه من مصالح عبادنا ، وهم عاجزون عن تدبيرها لعدم علمهم بالمصالح وعدم قدرتهم على إيجادها. فإذا كانوا عاجزين عن تدبير قسمة أرزاقهم التي ترجع الى مصالح دنياهم فكيف يتدخلون في امر الرسالة التي هي من أعلى وأسمى شؤون الإنسانيّة والرّوحانيّة ، وتعيينها من وظائف عالم الرّبوبيّة ، وليس لأحد أن يتحكّم في شيء من ذلك ويتدخّل فيه. ونحن كما فضّلنا بعضهم على بعض في الرزق فكذلك اصطفينا للرّسالة من نشاء ، ولذلك أكّد سبحانه وتعالى القول المذكور بقوله : (وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ