فإن تلك القابليّة والعلّو والرفعة منحصرة بذاته المقدّسة جلّت عظمته ، فهو الذي خلق الأشياء كلّها بقدرته وما لأحد من المخلوقين مشاركته في الرّبوبيّة إذ أين الثّرى من الثرّيا. فهذه الشريفة حكاية اعتراف الملائكة بالعبوديّة ، للرّد على عبدتهم وقد قالوا أيضا (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) أي المصطفّون للصلاة وهي أعظم مصاديق الطاعة والخضوع له تعالى ومنازل الخدمة. (وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) أي المنزّهون الله تعالى عمّا لا يليق به. ويحتمل أن يكون الأول إشارة إلى مقام طاعتهم حين اصطفاهم للصلاة ، والثاني دلالة على درجاتهم في المعرفة التي أوصلتهم إلى تنزيهه جلّ وعلا. وفي نهج البلاغة في وصف الملائكة : صافّون لا يتزايلون ، ومسبّحون لا يسأمون. وفي القمي أن جبرائيل (ع) قال : يا محمد إنّا لنحن الصافّون ، وإنّا لنحن المسبّحون. وعن الصادق عليهالسلام : كنّا أنوارا صفوفا حول العرش نسبّح فيسبّح أهل السماء بتسبيحنا إلى أن هبطنا إلى الأرض فسبّحنا فسبّح أهل الأرض بتسبيحنا ، وإنّا لنحن الصافّون ، وإنّا لنحن المسبّحون. وفي الرّواية أن المسلمين كانوا قبل نزول هذه الآية الشريفة لا يراعون تنظيم الصفوف في صلاة الجماعة ، فلمّا نزلت الآية اهتمّوا بالصف المرتّب ، والله تعالى أعلم.
١٦٧ و ١٦٨ و ١٦٩ ـ (وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ ...) المقصودون هم كفّار مكة. و (إِنْ) هي المخفّفة من (أنّ) و (اللّام) هي الفارقة. والمعنى أنهم بالتأكيد كانوا يقولون : (لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً) أي يا ليت كنا نملك كتابا أو شيئا آخر يذكّرنا بالله وبالحق. ونقل أن كفار مكة كانوا قبل البعثة يقولون : لو كان لنا كتاب لكنّا نتّبعه ونترك الشّرك ولا نكذّبه مثل اليهود والنصارى الذين نزل عليهم التوراة والإنجيل فكذّبوهما ولم يطيعوا أوامرهما ونواهيهما. فلمّا نزل القرآن الذي كان أشرف وأعظم الكتب السّماوية لم يقبلوه ولا