(أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ) ، (أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ) أي لكونكم أهل الإسراف في التّجاوز عن حدود الشرع والغور في وادي الضّلالة والغواية. ثم إنه تعالى تسلية لنبيّه عن أذى قومه باستهزائهم وسخريتهم به يقول :
٦ ـ (وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ) ... أي كثيرا من الأنبياء بعثناهم في الأزمنة الماضية لأممهم الذين كانوا متّسمين بسمة الإسراف والإشراك وبفرط الغواية ومتّصفين بالكفر والإلحاد ، ومع هذا ما خلّيناهم بل أرسلنا إليهم رسلنا متعاقبين وأنزلنا كتبنا متوالية لإلزام الحجة وإتمامها عليهم.
٧ و ٨ ـ (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) ... أي كما استهزأ قومك بك ، فلم نضرب عنهم صفحا لأجل استهزائهم بالرّسل بل كرّرنا الحجج وأعدنا الرّسل وكذا نفعل بقومك فنكرّر عليهم الحجج والبراهين حتى تتمّ الحجة ونفحمهم في الخصومة (فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً) أي أن من القوم المسرفين السابقين الذين كانوا أقوى من قومك المسرفين من لم تمنعنا قوّتهم وشوكتهم من تعذيبهم ، فكيف بالمسرفين من قومك ، فتعذيبهم أيسر وأسهل شيء علينا (وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ) أي سلفت في مواضع عديدة في القرآن قصّتهم وأخبارهم العجيبة وأنّهم كيف عملوا مع أنبيائهم وأيّ طريق سلكوا معهم ، ونحن كيف فعلنا بهم من التعذيب والإهلاك والإفناء. وفيه وعد للرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله بالنّصر ، ووعيد للمشركين بمثل ما جرى على الأوّلين المسرفين فليحذروا وليتهيّأوا للعذاب الشديد والنكال الذي يكون عبرة لغيرهم. ثم إنّه سبحانه على سبيل إلزام الحجّة على أهل مكة يقول :
* * *
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ