ومصيرا. ثم خصّهم بالتّوبيخ فقال :
٦٠ و ٦١ ـ (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ ...) أي ألم أنهكم على ألسنة الأنبياء والرّسل في الكتب المنزلة أن لا تطيعوا الشيطان فيما يأمركم به وينهاكم عنه؟ وقد جعل تعالى إطاعة الشيطان عبادة له لأنّه الآمر بها المزيّن لها. وقد ثبت أن كلّ من أطاع المخلوق في معصية الخالق فقد عبده. فعن الباقر عليهالسلام : من أصغى إلى ناطق فقد عبده ، فإن كان الناطق يروي عن الله فقد عبد الله عزوجل ، وإن كان الناطق يروي عن الشيطان فقد عبد الشيطان (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) هذا تحذير للنّاس منه لعنه الله وأخزاه وأعاذنا منه. فأمرتكم بترك عبادة الشيطان (وَأَنِ اعْبُدُونِي) قوموا بعبادتي. و (هذا) إشارة إلى عبادة الله التي هي (صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) لا عبادة غيري فإنها عبادة للشيطان لأنه الآمر بها.
٦٢ ـ (وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا ...) أي جرّ إلى الكفر والضلال خلقا كثيرا. و (جِبِلًّا) فيه لغات : بضمّتين بالتّشديد والتخفيف. وبالضّم والسّكون ، وبكسر الجيم وفتح الياء والتخفيف ، جمع جيلة كخلقة وخلق ، وجيل واحد الأجيال. وقرئ بجميع هذه الصّيغ. وهذه الكريمة تنبيه للبشر حتّى يكونوا على حذر منه ولا يغفلوا آنا ما ، وإلّا اختلسهم الخبيث واجتذبهم بسرعة بحيث لا يمهلهم أبدا. (أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ)؟ أي ألم تتعقّلوا أنه يغويكم ويصدّكم عن الحق ويضلكم عن الصّراط السويّ؟ أفلا تتنبّهون؟ وهذه صورة استفهام ومعناه الإنكار عليهم والتبكيت لهم. وفي الآية بطلان مذهب أهل الجبر حيث إنه سبحانه لم يرد إضلالهم لأنه أنكر عليهم إضلال الشيطان إياهم ، ووبّخهم على متابعتهم إيّاه وأمرهم بعبادة ذاته المقدّسة وطاعته. ثم بيّن سبحانه ما يقال للكفرة يوم الحشر حين تظهر جهنّم ويرونها رأي العين ويصيرون على شفيرها :