كالأرياح والأمطار ومطلق المياه كالبحار والصّواعق والزّلازل ونظائرها من الممكنات ، فإنها جميعا لها القابليّة لأن تكون جنوده تعالى ويهلك بها أعداءه سبحانه كما أهلكهم بها مرارا. وفيه تهديد للمشركين بأنه لو أراد أن يهلكهم فهو أيسر شيء عليه ، لكنّه عالم بهم وبما يخرج من أصلابهم فأمهلهم لذلك ولمصالح وحكم أخرى ، لا أنه لم يأمر بقتالهم لعجز أو حاجة في إفنائهم (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) أي عالما بمصالح عباده وحكيما في تدبيرهم على ما ينبغي وتقدير ما يصلح لهم في دنياهم وأخراهم.
٥ ـ (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ) ... ولا يخفى أنّ قضيّة دخول المؤمنين والمؤمنات في الجنّات المتّصفة بجري المياه من بينها ومن تحت قصورها كثيرا ما ذكرت في الكتاب الكريم ، ووجه تكرارها معلوم. بيان ذلك أنّ النّاس على حسب طباعهم الأوّليّة مجبولون على كثير ميلهم إلى تلك النّعم الجزيلة التي لم يخلق مثلها في الدّنيا كميّة وكيفيّة ، فإذا أمروا بمقرّرات ووظائف وجعل جزاء من أطاعها وأتى بها تلك النّعم ، وأجر من خالفها وتركها العذاب الشديد ، فهم بطبعهم الأوليّ يميلون إلى الإطاعة ويعرضون عن المخالفة. فالله تعالى لرأفته وفضله العميم على العباد يكرّر تلك الآيات ويذكّرهم نعمه الجسمية حتى لا ينسوها فإن الذكرى تنفع المؤمنين. ففي هذا التكرار مضافا إلى أنه ليس فيه قبح كثير فائدة ومصلحة (وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) أي يمحوها عنهم. وفي متعلّق حرف الجرّ من قوله سبحانه (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ) خلاف بين أرباب التفاسير ، ولعل الحق هو ما ذهب إليه الأكثر من أنه يتعلّق بقوله سبحانه (إِنَّا فَتَحْنا) كما أنه يتعلّق به الجارّ من قوله تعالى (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ) والتقدير : (إنّا فتحنا لك ، ليغفر الله لك ، وإنّا فتحنا لك ، ليدخل المؤمنين) والغفران هنا لعلّه على ما يناسب المقام جاء في اللّغة بمعنى الإصلاح والله سبحانه وتعالى إكراما لنبيّه ولطفا منه به بشّره بأمرين : بفتح مكّة ، وبإصلاح أمره الذي هو كناية عن إعلاء