والخلق كتحويل النّطفة في مراحلها الخمس. ومثل هذه الآيات قد أطلعهم عليها في أنفسهم وفي الأمم الخالية ممّا نزل بها من الإهلاك بالآيات ، ولكنّهم لم يتفكّروا ولم يتدبّروا ولا تنبّهوا ولا نفعتهم الذّكرى ، ولذلك فانّنا سنريهم آيات آفاقيّة ننتقم منهم بها عمّا قريب (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) ولو قيل إن قوله (سَنُرِيهِمْ) قد يكشف عن أنه سبحانه ما أطلعهم على شيء من مثل ذلك الآيات؟ فالجواب أنهم قد اطّلعوا على كثير ممّا حلّ منها بالأمم الماضية ، ولكنه تعالى سيريهم ذلك في أنفسهم في المستقبل ، وستحلّ الآيات في ساحتهم ويصيبهم وبالها ، وحينئذ سيظهر لهم الحقّ جليّا بأن نبوّة محمد صلىاللهعليهوآله حقّ ، فليكونوا على علم بذلك لأننا قد قضينا بذلك وحتمناه (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) ولعل المراد بالشريفة بعد حمل الاستفهام على أنه تقريري هو أنّ الكفار وإن أنكروا نبوّتك لكنّه سبحانه كاف لك في كونه شاهدا لنبوّتك ، وبأنه يظهر دلائل واضحة وبراهين ساطعة على صدق دعواك وإثبات نبوّتك وهو قادر على كلّ شيء ، فلا تحزن على تكذيبك وعدم قبولهم نبوّتك وكتابك وفي الآخرة هم مغلوبون وأنت الغالب لهم قبلوا أم جحدوك عنادا فلا يضرّونك أبدا. وجملة (أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) بدل من قوله (بِرَبِّكَ) والباء الزائدة لتأكيد كفايته سبحانه له صلىاللهعليهوآله.
٥٤ ـ (أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ) ... كلمة (أَلا) للتّنبيه والتّأكيد بأن الكفار بعد في شكّ من وجود الصّانع تعالى ومن يوم البعث ومجازاتهم وجميع ما نريهم من الآيات الآفاقية والأنفسية فلا تنفعهم ولا تفيدهم وهم يشكّون في كونها انتقاما منّا لرسلنا ، فدعهم وأرح نفسك فإننا على علم بما يقولون وما يفعلون (أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) تأكيد بعد تأكيد بأن ربّك عالم ومحيط بكل شيء ، ولتنبيه العباد وتذكيرهم بوجود الصانع وأوصافه التي تدل على التوحيد كالقدرة التامّة والإحاطة الكاملة