الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (٢٨) كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٩))
٢٧ ـ (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ ...) لعل المراد بهما الجنس ، فأريد بهما صورة الخلق العامة التي تشمل غيرهما ممّا في السّماوات والأرضين. فما خلقناهما (وَما بَيْنَهُما باطِلاً) أي لا لغرض أصلا ، أو بدون غرض صحيح لفاعله فيقال له العبث. بل خلقناهما لحكمة ومصالح كثيرة ومنافع جليلة لا تخفى على أولي البصيرة (ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي خلقهما العبثي مظنون الكفرة (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) أقيم الظاهر مقام المضمر لأنه أصرح في كونهم كافرين وإشارة إلى العلّة فويل لهم (مِنَ النَّارِ) بيان للويل الذي هددهم سبحانه به.
٢٨ ـ (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا ...) معناه بل أنجعل الّذين صدّقوا الله ورسوله كمن لا يعتقد بهما بل عمله تكذيبهما خلافا لعمل الأوّلين المعقّب لإيمانهم؟ فهؤلاء لا نجعلهم يوم القيامة كالكافرين بنا. (أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) إنكار للتّسوية. وفي الخصال عن أمير المؤمنين عليهالسلام : إن لأهل التقوى علامات يعرفون بها : صدق الحديث ، وأداء الأمانة ، والوفاء بالعهد ، وقلّة الفخر والتجمّل ، وصلة الأرحام ، ورحمة الضّعفاء ، وقلة المواتاة للنّساء ، وبذل المعروف ، وحسن الخلق ، وسعة الحلم ، واتّباع العلم فيما يقرّب إلى الله تعالى. وفي رواية أخرى عنه عليهالسلام قال : الفاجر إن ائتمنته خانك ، وإن صاحبته شانك ، وإن وثقت به لم ينصحك. وقد كرّر الإنكار باعتبار وصفين آخرين يمتنع من الحكيم التسوية بينهما لأنه خلاف العدل والحكمة. ثم خاطب سبحانه نبيّه (ص)