العاصي. ولا يخفى أنّ ظلّام في هذا المقام مبالغة في النفي لا المنفي حتى يستلزم بقاء أصل الظلم. قال الطبرسي رضوان الله عليه إيثار (ظلّام) على (ظالم) للإشعار بأن صدور الظلم وإن قلّ من شخص ، فهو غنيّ مطلق وعالم بقبح الظلم ، وهو عظيم في غاية العظمة. فكيف بصدور الظلم العظيم منه وكذلك فهو تنبيه على أنّ مؤاخذة شخص بعصيان غيره وإثابة الغير بطاعة الآخر من الظلم العظيم. والحاصل أنه تعالى منزّه عن أن يفعل شيئا من ذلك وإلّا لكان ظلّاما لعظمة صدور هذه الأمور منه جلّ وعلا فلو صدر على فرض المحال واحد من الأمور المذكورة منه سبحانه فكأنّما صدر منه وقوع قبيح عظيم لأنه لا يجوز عليه الظّلم ، فيصير ظلّاما مع أن الأمر الصّادر جزئي في نفسه.
٤٧ و ٤٨ ـ (إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ) ... نقل أنّ عبدة الأصنام ومشركي قريش قالوا للنبيّ (ص) : لو أنك نبيّ وصادق في وعيدك لنا بالعذاب في الآخرة ، فقل لنا متى تجيء القيامة؟ فأجاب صلىاللهعليهوآله بما أمره الله تعالى به ، وهو : إلى الله يردّ علمها. أي هذا ممّا خصّ سبحانه ذاته المقدسة به فلا يعلمه غيره وكان أهل الحجاز ، وبالأخص عبدة الأصنام من أهل مكة ، متعبّدين بأقوال الرّهبان والأحبار وبالأخصّ الكهنة منهم إذ إنّهم كانوا من أهل العلم في ذلك العصر وكانوا عارفين بالكتب السّماويّة وغيرها من أخبار ترد عليهم من بني الجان. وكان العرب في ذلك الزمان أمّيين لا يعرفون من المعارف شيئا وكانوا جهلة بالعلم فلذا كانوا يرجعون إلى هؤلاء فيما يرد عليهم من عجائب الأمور وغرائبها ويسألونهم عن المغيبات ويتعلّمون منهم ما كان محل حاجتهم فلا يزالون يسألونهم عمّا يخبرهم به النبيّ صلوات الله عليه وآله ، ومنها إخبارهم عن السّاعة ويوم البعث ، فرجعوا إلى الرهبان والأحبار في ذلك وقالوا إن محمدا يخبرنا بأن لله يوما يجزى فيه الناس بأعمالهم التي عملوها