أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٤٤))
٤١ ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ) ... أي بالقرآن ، وخبر إنّ محذوف أي ننتقم منهم ونجازيهم وقيل خبره (أُولئِكَ يُنادَوْنَ) الذي يجيء بعد ثلاث آيات بعد هذه الآية (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ) أي غالب بقوّة حججه أو معناه ، عديم النظير. وهذا أيضا معنى من معاني العزيز ، أي كفران الكفرة وتكذيبهم ذكرنا وكتابنا لا ينقص من رفيع مقامه شيء ولا يطفأ نوره بأفواههم وتكذيبهم ، فإنه من قوّة براهينه وحججه يتمّ نوره ويتضوّأ ويستنير بنوره العالم ، أو لأنه لا مثيل له في عدم قدرة قادر على غلبته وإطفاء نوره ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.
ثم إنه سبحانه يعرّف كتابه بعد تعريفه بأنّه كتاب عزيز بالبيان الذي مرّ ذكره قبيل هذا بان كتابي هذا :
٤٢ ـ (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) ... أي من ناحية التوراة ولا من قبل الإنجيل والزّبور (وَلا مِنْ خَلْفِهِ) أي لا يأتيه من بعده كتاب يبطله أو يتقدّم عليه بحيث ينسخه. والمراد أنه لا يجيئه من أيّ ناحية من النواحي ولا من جهة من الجهات باطل (تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) لأنه نزل من عند ربّ حكيم ، أي عالم بجميع وجوه المصالح والحكم للعباد. وحميد : أي هو مستحق للحمد من كل مخلوق بما ظهر عليه من نعمه وآلائه ، ومن أعظم نعمه هو هذا القرآن الذي فيه علوم الأولين والآخرين وفيه ما يحتاج اليه البشر إلى يوم الجزاء. فمثل هذا الكتاب لا بد أن يكون كما وصفه منزله تبارك وتعالى عن وصف غيره من الواصفين والحامدين وله الشكر والحمد لله رب العالمين ثم إنه جلّ جلاله بعد وصف كتابه في الجملة بما يليق به أخذ في تسلية نبيّه فيما يرد عليه من قومه في سبيل دعوته بقوله :