بعد ذلك هدّد المشركين وخوّفهم من تركهم الإخلاص وبقائهم على شركهم ونبّههم على حرمانهم وخزيهم بقوله عزوجل (فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ) هذا القول صريح في التخويف والخذلان والغنى عنهم والسّلطة عليهم. ثم أكّد هذا المعنى بقوله سبحانه : (قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ) أي العائدين بالخسران في الحقيقة هم (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) بإدخالها النار والعذاب (وَ) الخاسرين (أَهْلِيهِمْ) لعدم انتفاعهم بهم سواء كانوا معهم أو في الجنّة ... وقيل إنّ أهلهم هم الحور العين التي كانت معدّة لهم في الجنة لو آمنوا ودخلوها (يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي يوم الجزاء والمكافاة (أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) بيان لتفظيع لحالهم وتقطيع لرجائهم.
١٦ ـ (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ ...) جمع ظلّة ، وهي هاهنا الغطاء والسّتار ، ولعله كناية عن النّيران التي أحاطت بهم كالسرادقات والخيام والتشبيه بلحاظ الإحاطة من تمام الجهات والظلمة الحاصلة ، حيث إنّ نار الجحيم ليست كنار الدنيا لأنها في ذاتها مظلمة نعوذ بالله منها (وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) أي أطباق. قيل وهي ظلل لآخرين ممن تحتهم. وقيل إن المراد (ظُلَلٌ) الثانية هو الفرش والمهد منها (ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ) أي ذلك العذاب لتخويف الله سبحانه العباد ليجتنبوا ما يوجبه (يا عِبادِ فَاتَّقُونِ) أي لا تتعرّضوا لما يوجب سخطي فقد أنذرتكم وألزمتكم الحجة. ونقل أنه في عصر الجاهلية لما أسلم زيد بن عمر بن النفيل وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري وقالوا لا إله إلّا الله واشتهر إيمانهم بالله وبوحدانيّته نزل فيهم قوله الآتي :
* * *
(وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى