١٦ ـ (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ) ... أي يخاصمون في دين الله وهم اليهود والنّصارى قالوا كتابنا قبل كتابكم ونبيّنا قبل نبيّكم ونحن خير منكم وأولى بالحقّ. وإنما قصدوا بما قالوا دفع ما أتى به محمد صلىاللهعليهوآله (مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ) أي لرسوله من بعد ما دخل الناس في الإسلام وأجابوه إلى ما دعاهم إليه أو بعد إجابة اليهود والنصارى لدين الله وقبولهم له يوم الميثاق أو في الدّنيا قبل أن يبعث محمدا صلىاللهعليهوآله لأنهم استمعوا نعوته في التوراة وآمنوا به ولمّا بعث (ص) أنكروه بغيا وعدوانا وطلبا للرئاسة ، (حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي باطلة ، فإنّهم زعموا إن دينهم أفضل من الإسلام وذلك أن اليهود قالوا للمسلمين ألستم تقولون إن الأخذ بالمتفق عليه أولى مما ليس كذلك ، فنبوّة موسى وحقيّة التوراة معلومة بالاتفاق بيننا وبينكم ، ونبوّة محمد وكتابه مختلف فيهما فيجب أن يؤخذ بدين موسى وباليهوديّة. فبيّن سبحانه أنّ هذه الحجّة فاسدة سفسطائيّة لأنها بعد ظهور الحق بالحجج والبراهين الواضحة بحيث قال تعالى (وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) تمّت الحجة عليهم ولا تسمع منهم هذه السفسطات والأساطير أبدا (وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ) من ربّهم (وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) بمعاندتهم ومجادلتهم في إدحاض الحق وإحياء الباطل وتغيير السّنة الحقّة وتبديلها بالباطلة.
* * *
(اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (١٧) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها