١٣ ـ (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ... أي خلقها لانتفاعكم ممّا في السّماء كالشّمس والقمر والنّجوم والأمطار والثّلوج والأرياح وغيرها من الأمور العلويّة ، وممّا في الأرض من الدّواب والأشجار والنّباتات والأثمار والأنهار وغيرها من الأشياء السّفليّة أي العالم السّفليّ (جَمِيعاً) طرّا وكلّا مسخّرات لكم أيّها الناس بأمر ربّكم ، أي بأمره التكويني ، فتكون هذه المسخّرات منه عزوجل لا من غيره لأنّها مخلوقة له وهي تحت قدرته فلا يقدر أحد من المخلوقين أن يتصرف فيها بالتسخير وغيره لأنهم عجزة عن مثلها. فهذه الآية من دلائل التوحيد أيضا. وقرئ (مِنْهُ) منصوبة فكأنّه قال (منّ عليكم منّة) وقرئ (مِنْهُ) بالرّفع والفتح والشّدّة في الوسطانيّ من الحروف خبر مبتدإ محذوف أي (ذلك منه) أو (هو منه) (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي فيما ذكر (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) أي علامات للمتفكّرين في صنائعه ممّا ذكر. ويستدلون بها على الصّانع القادر الحكيم المتفرّد في الذات والصّفات. نقل أنّه في بداية الإسلام أخذ بعض المؤمنين في وعظ الكفرة ونصحهم وهدايتهم إلى الإسلام ، ولمّا لم يتنبّهوا شرعوا يحاجّونهم بالبراهين العقليّة والنقليّة ، ولكنّهم من فرط الجهالة والعناد ما التفتوا إلى احتجاجاتهم واستدلالاتهم فما اكتفوا بذلك فسلكوا مع المؤمنين سلوك السبّ والإيذاء ، فتجهّز المؤمنون لينتقموا منهم فنزلت الآية :
١٤ ـ (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا) ... يا محمّد قل لهم اغفروا يغفروا أي يصفحوا ويعفوا (لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) اي لا يترقّبون ولا يخافون أيّام عذابه ونكاله ، يعني للمجرمين انتقاما منهم للمؤمنين. والعرب يعبّرون عن أيّام الوقائع المهلكة وأيام الحروب بأيّام فلان وفلانة إذا كانت لهما وقائع مهمّة كما أن يوم بعاث ويوم عماس معروفان بينهم ، ويوم ذي قار ويوم حليم ويوم عماس بالفتح بمعنى المظلم والمظنون أن المراد بيوم