ذو تشاور ولا يقدمون عليه حتى يتشاوروا فيه ويجتمعوا عليه وذلك من فرط تيقّظهم في الأمور ويختاروا بعد جمع الآراء أقربها للصواب وأقومها وأوفقها للمقصود حتى لا يصبحوا نادمين في عملهم. ووصف المؤمنين بأنّهم في أمورهم يتشاورون ليدل على أنّ الاستبداد في الحكم ليس من نظام الدّين ولا من شأن المؤمنين. والمشاورة في الأمور هذه من دساتير الله سبحانه لعباده في أمورهم ولعلّ عقل البشر كان قاصرا عن إدراك فوائد المشورة لو لا تنبيه الله تعالى عليها وأمره بها. وفي المجمع عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : ما من رجل يشاور أحدا إلّا هدي إلى الرّشد ويستفاد من الحديث أن الله سبحانه يلقي في قلب المستشار ما هو الصّواب والواقع حتى يقوله له فيهدى المشاور إلى ما فيه خيره. وعن النبيّ (ص): ما شقي عبد قطّ بمشورة ولا سعد باستبداد. (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) أي يبذلونه في طاعة الله وفيما هو مرض للخالق تعالى ، وروي : ما خاب من استخار وما ندم من استشار.
٣٩ ـ (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) ... أي إذا أصابهم من الكفار ظلم وتعدّ فيتكاتفون عليهم حتى يأخذوا منهم بحقّهم ، و (يَنْتَصِرُونَ) أي ينتقمون من المشركين لأنهم إذا لم ينتقموا منهم ، يروا إن الصّبر والعفو ذلّ وهوان عليهم فلا يخضعون لهم ، مع أن الخضوع والعفو من شيمة المؤمن وعادته ومن أوصافه ، لكن في موارد خاصّة لا في مورد يصير سببا لجرأة الكفرة ومزيد بغيهم عليهم ، ويحمل على الخوف من المشركين مع أنه تعالى وصفهم بالشجاعة بعد وصفهم بسائر أمّهات الفضائل. وهو لا ينافي وصفهم بالغفران لأن الغفران ينبئ عن عجز المغفور له ، والانتصار ينبئ عن مقاومة الخصم ، والحلم عن العاجز ممدوح وعن المتغلّب مذموم لأنه إجراء وإغراء على البغي والعدوان كما أشرنا آنفا. ألا ترى أن العفو عن المصرّ يكون كالإغراء له فيصير العفو في غير محلّه ولا