إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (٥٩))
٥٧ ـ (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ...) ولمّا كان جدل المجادلين في آيات الله مشتملا على إنكار البعث ، بل كان هذا أصل المجادلة ومدار المخاصمة مع أنهم كانوا مقرّين ومعترفين بأن الله هو خالق السماوات والأرض ، ولذلك يردّ سبحانه عليهم ويجادلهم بالذي هو أحسن وأقوى ويقول خلفهما للّذين يعترفون بأن الله خلقهما ، أكبر من خلق النّاس ، لأن خلقهما ابتداء كان من غير أصل ومادّة ، وإعادة الإنسان تكون من أصل ومادّة فالذي يقدر خلق شيء بلا مادّة هو على خلق ما له مادّة قادر بالأولى. وهذا برهان جليّ على إفادة المطلوب ، لأنّ الاستدلال بالشيء على غيره على أقسام ثلاثة ، أحدها : إنه قد يقال لمّا قدر على الأضعف فيقدر على الأقوى وهذا فاسد. وثانيها : أن يقال لمّا قدر على الشيء قدر على مثله فهذا صحيح لما ثبت في المعقول من أنّ حكم الشيء حكم مثله. وثالثها : أن يقال لمّا قدر على الأقوى الأكمل فبأن يقدر على الأضعف الأنقص كان أولى. وهذا الاستدلال أتمّ وأكمل الأقسام الثلاثة. وبهذا استدل سبحانه فيما نحن فيه في المقام. ومع هذا البرهان الجليّ الكامل قال الله تعالى : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) أي مغمورون في الجهل والغيّ بحيث لا يتوجّهون إلى الأمور الواضحة كالشمس في رابعة النهار من ناحية ذاتها والدّلائل عليها ولفرط غفلتهم واتّباع أهوائهم أعرضوا عن التفكّر والتدبّر وإلّا فالأمور أهون من ذلك.
٥٨ ـ (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ ...) ثم إنه تعالى بعد الجواب على مجادلتهم بالجدال المقرون بالبرهان يبيّن أحوال المؤمنين والمشركين بضرب مثل فيقول : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى) ، الآية يعني الكافر الجاهل الغافل عن دلائل التوحيد لعدم التدبّر فيها ، فهو لا يستوي مع المؤمن العاقل