من الأصل الذي كان مخلوقا من التراب النطفة ، وهي الماء القليل من الرجل والمرأة يختلط في رحمها (ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ) أي قطعة من الدم شبيهة بالعلقة يتشكّل المنيّ بعد مضيّ أربعين يوما بها (ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) ترك ذكر المراتب الأخر إلى أن ينفصل من بطن أمّه لأنه تعالى ذكرها في الآيات الأخر ، أي أطفالا. والطفل يطلق على الواحد والجماعة ، قال تعالى : (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ) ، (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) أي كمال قوتكم. والجارّ متعلّق بمقدّر ، أي يبقيكم لتبلغوا. وبلوغ الأشدّ هو منتهى سنّ الشّباب من الثلاثين إلى الأربعين ، وعلى هذا القياس قوله تعالى (ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً) يعني من سنّ الشّباب يبقيكم إلى أن تصيروا شيوخا والشيخ أحد معانيه الذي هو محلّ حاجتنا في المقام من استبان فيه الشيب وهو بياض الشّعر (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ) أي قبل وصول الإنسان للمراتب الثلاث المذكورة بعد ولوج الرّوح على سبيل مانعة الخلّو (وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى) متعلّق بفعل مقدّر أي يفعل ذلك ، أو يبقيكم لبلوغكم آجالكم المعلومات عند بارئكم جلّ وعلا (وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) أي تتعقلون تلك العوالم الماضية وهذه الانتقالات من عالم إلى آخر ، وبتلك الحجج والعبر تستبصرون وتستبين لكم معرفة إلهكم وخالقكم.
٦٨ ـ (هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ...) أي الذي أحياكم وخلقكم من تراب بالكيفيّة المزبورة هو الذي يميتكم ويرجعكم إلى أصلكم ، فأوّلكم من تراب وآخركم إلى التراب ، كما قال تعالى (مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى) ، (فَإِذا قَضى أَمْراً) أي فإذا أراده وحكم عليه (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) أي يفعل ذلك بلا تجشم كلفة وبلا صوت وبلا احتياج إلى كلام ونطق حتى بحرف ، ومن غير عدّة فهو بمنزلة أن يقال له كن فيكون فبابه من باب التنزيل لا أنه بحسب الواقع لفظ يكون أو