الأدعية وأقربها إلى الاستجابة الدّعاء الذي كان مفتتحا بذكر الله تعالى وبأوصافه الحسنة وثنائه الجميل وحمده الكثير فلذا علّمه الله تعالى بذلك الأمر وبهذه الكيفيّة فقال (قُلِ اللهُمَ) أي يا محمد قل وادع ربك قائلا (اللهُمَ) أي يا الله يا خالق السّماوات والأرض ومنشأهما ويا (عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ) أي عالم بما غاب علمه عن الخلائق جميعا وبما شهدوه وعلموه ، أحكم بين العباد في القيامة (فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) أي في أمر الدّين والدّنيا حيث يقضى بينهم بالحق في الحقوق والمظالم فاحكم بيني وبين قومي بالحق. وفي هذا كان بشارة للمؤمنين بالظفر والنصر لأنه سبحانه انّما أمره به للإجابة لا محالة. وعن سعيد بن المسيّب أنّه قال : لأعرف موضع آية من كتاب الله لم يقرأها أحد قطّ فسأل الله شيئا إلّا أعطاه ، قوله (قُلِ اللهُمَ) الآية والفاطر هو الموجد لشيء كان مسبوقا بالعدم الأزلي بخلاف الجاعل والخالق. ولعلّ وجه إيثار هذه اللفظة عليهما هو هذا والله العالم. ثم إنه تعالى لازدياد المبالغة في تهديد المشركين يقول :
٤٧ ـ (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ ...) أي زيادة عليه ، يعني ما في الدّنيا وضعف ما فيها ، لو كان لهم وملكوه لجاؤوا به و (لَافْتَدَوْا بِهِ) ليخلّصوا أنفسهم (مِنْ سُوءِ الْعَذابِ) أي شدّته. وجملة (لَافْتَدَوْا) جزاء الشرط (يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي يوم بعثهم وحشرهم الذي ينكرونه أشدّ الإنكار فهذا متضمّن لوعيد شديد وإقناط كلّي لهم من الخلاص (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) أي ظهر لهم يوم القيامة من صنوف العذاب ما لم يكونوا ينتظرونه حيث إن مثل هذا العذاب ما كان يخلج ببالهم. قال السّدي ظنّوا أعمالهم حسنات فبدت لهم سيئات وشرورا وبدت قبائح ، وكما أنه صلىاللهعليهوآله قال في صفة المكافأة : فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، فكذلك