المرحلة السادسة
في أنّه إذا دار مطلق بين كونه متواطئاً أو مشكّكاً للشكّ في التواطؤ والتشكيك فالأصل فيه التواطؤ ، لأنّ وضع المطلقات كلّها على التواطؤ والتشكيك طار عليه ناش عن غلبة إطلاق اللفظ على بعض الأفراد ، والأصل في مقام الشكّ عدم طروّه ، ومرجعه إلى أصالة عدم حدوث غلبة إطلاق بالنسبة إليه في الاستعمالات ، مضافاً إلى أصالة عدم انصراف الماهيّة المنفهمة من اللفظ في متفاهم العرف إلى حيث التحقّق في ضمن بعض الأفراد.
ولو دار مطلق مشكّك بين « المضرّ الإجمالي » أو « المبيّن العدم » فالأصل فيه « المضرّ الإجمالي » لأنّ « المبيّن العدم » مرتبة لتشكيك متأخّرة عن مرتبة « المضرّ الإجمالي » متوقّفة على مؤنة زائدة وهي كون غلبة الإطلاق على الفرد فيه أكثر منها في « المبيّن العدم » والأصل عدم تلك الزيادة.
ثمّ إنّ العبرة في التواطؤ والتشكيك بما هو كذلك في زمان الصدور لا في غيره من الأزمنة المتأخّرة عنه ، فلو أنّ مطلقاً كان متواطئاً في زمن الصدور يجري حكمه في جميع أفراد الماهيّة وإن صار مشكّكاً فيما بعد ، ولو كان مشكّكاً في زمن الصدور لا يجري حكمه إلاّ في الأفراد الشائعة ثمّة وإن انقلب متواطئاً فيما بعده ، وحينئذ فلو وجد مشكّك لم يعلم كونه في زمان الصدور متواطئاً أو مشكّكاً ومرجعه إلى الشكّ في بدو زمان حدوث التشكيك هل هو في زمان الشارع أو فيما بعده؟ ولا ريب أنّ أصالة التأخّر يقتضي تأخّره عن زمان [ الشارع ] فيجري عليه من جهتها أحكام المتواطئ فليتدبّر.
والشرط الثاني : أن لا يكون وارداً في مقام بيان حكم آخر ، ومعنى وروده كذلك أن يكون الخطاب المشتمل عليه مسوقاً لبيان حكم آخر غير الحكم المبحوث عنه ، ولازمه أن يكون ساكتاً عن ذلك الحكم نفياً وإثباتاً ، وعلامته أنّه لو نفى ذلك الحكم في خطاب آخر لم يكن مناقضاً للأوّل.
وبالتأمّل في ذلك [ يظهر ] وجه اشتراط ذلك الشرط. فإنّ الخطاب الأوّل إذا كان ساكتاً عن الحكم المبحوث عنه فلا إطلاق له بالنسبة إليه حتّى يتمسّك به ، فنفي الحجّيّة عنه حينئذ من قبيل السلب بانتفاء الموضوع ، ومثّل له في المشهور بقوله تعالى : ( كلوا ممّا أمسكن عليكم ) (١) فإنّ الآية مسوقة لبيان الحليّة الذاتيّة لما صاده الكلب المعلّم من دون
__________________
(١) المائدة: ٤.