كتابا وسنّة ظواهر قضت بوقوع الموسّع الّذي هو أخصّ من الإمكان على ما ستعرفه.
وأمّا الثالث فلأنّ ما يعدّ سفها أو قبيحا أو منافيا للحكمة إنّما هو تجويز ترك الواجب في موضع الإيجاب بالمرّة ، لاستلزام الإيجاب المنع من تركه بالمرّة أو عدم الرضاء به ، وتجويز التأخير ليس منه ، ولا ينشأ منه بنفسه قبح آخر بل هو بنحو من الاعتبار قد يعدّ حسنا من حيث تضمّنه لتسهيل أمر الامتثال للمكلّف ، وتقليل ما ينشأ من أصل التكليف بالنسبة إليه من الضيق المعنوي الّذي ينظر إليه اشتقاقه من الكلفة ، بل نرى بالوجدان الّذي يرشد إليه بناء العقلاء أنّ العقل لا يأبى عن قول العدل الحكيم لعبده : « أوجبت عليك الفعل الفلاني في اليوم الفلاني ورخّصتك في اختيار إتيانه في أيّ جزء منه أوّلا أو آخرا أو وسطا ، ولا اعاقبك على تأخيره إلى الجزء الأخير منه ، وإنّما اعاقبك على تركه رأسا » بل ولو صدر مثل ذلك عنه لا يقبّحه العقلاء أصلا ولا يرمونه بالسفاهة ، كما أنّهم يقبّحونه فيما لو قال : « أوجبت عليك كذا وأرضى بتركه رأسا ».
وأمّا المقام الثاني : فهو الّذي أشار إليه المصنّف بقوله : « واقع على الأصحّ ويعبّر عنه بالواجب الموسّع كصلاة الظهر مثلا ».
ومحصّل الدليل على الوقوع ظاهر قوله عزّ من قائل ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ )(١) فإنّه في ظاهر الفهم العرفي يقضي بامتداد الوقت من الدلوك إلى الغسق.
ودعوى اختصاصه بالأوّل أو بالآخر أو كونه مراعى إلى إدراك الآخر مع شرائط التكليف فيكشف عن سبق الوجوب وإلاّ فلا ، تقييد في ذلك بلا دليل وتأويل خال عن التحصيل ، كما يرشد إليه ما ورد في تفسير الآية من صحيح عبيد بن زرارة فقال : « إنّ الله افترض أربع صلوات أوّل وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل ، منها صلاتان أوّل وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس إلاّ أنّ هذه قبل هذه ، ومنها صلاتان أوّل وقتهما من غروب الشمس إلى الانتصاف إلاّ أنّ هذه قبل هذه » (٢).
وفي معناه ما في الرواية : « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين الظهر والعصر ، إلاّ أنّ هذه قبل هذه ، ثمّ أنت في وقت منهما حتّى تغيب الشمس » (٣).
__________________
(١) الاسراء : ٧٨.
(٢) البحار ٧٩ : ٣٥٨ و ٨٠ : ٦٨ ، الوسائل ٤ : ١٥٧.
(٣) الوسائل ٤ : ١٢٦.