وقضيّة ذلك أن يكون لفظ العامّ ظاهرا في العموم عرفا ولغة سواء ورد في كلام الشارع أو غيره وسواء كان الكلام تكليفيّا أو خبريّا ، ولا ينافيه الإجماع على عموم التكليف المنساق من الأمر والنهي ، لأنّ غايته أنّ الخبر ممّا سكتوا عن حكمه من حيث الحمل على العموم وعدمه ولم يتعرّضوا لحاله ولا تحقيق مفاده لعدم فائدة مهمّة فيه ، بخلاف الأمر والنهي فإنّ الابتلاء بهما من قبل الشارع دعاهم إلى النظر في تحقيق حالهما فأجمعوا بعد إمعان النظر على عموم التكليف المنساق منهما.
هذا تمام الكلام في صيغ العموم في الجملة لإثبات الوضع للعموم على وجه الإيجاب الجزئي.
وأمّا الكلام في جملة من ألفاظ العموم تفصيلا لما فيها من بعض الخصوصيّات فيقع في فصول :
الفصل الأوّل
في لفظة « كلّ » و « جميع » و « أجمع » وتوابعهما المشهورة ، وظاهر إطلاق كلامهم في العنوان السابق دخولها في النزاع المتقدّم وهو الظاهر من عبارة المصنّف وغيره ممّن استدلّ لإثبات الوضع للعموم خاصّة بأنّه لولاه لزم أن يكون القائل : « رأيت الناس كلّهم أجمعين » مؤكّدا للاشتباه.
بل عن الشيخ والرازي التصريح بذلك كما صرّح به بعض الأعاظم أيضا.
ولكن عن التفتازاني والباغنوي وبعض آخر التصريح بخروجها عن محلّ النزاع ، حتّى أنّه عن بعضهم أنّه خصّ النزاع المتقدّم بألفاظ مخصوصة لا أنّه في أنّ العموم ليس له لفظ أصلا ، ولا خفاء في ضعفه.
وكيف كان هذه الألفاظ مفيدة للعموم بحسب الوضع دالّة عليه بعنوان الحقيقة من بديهيّات العرف واللغة بحيث يعدّ التشكيك فيه تشكيكا في الضروريّات ، ولذا نجد بالضرورة من العرف أنّ كلّ من يقصد تعميم حكم كلامه إيجابيّا أو سلبيّا بالقياس إلى جزئيّات أو أجزاء موضوعه يأتي فيه بأحد هذه الألفاظ.
هذا مضافا إلى ضرورة التبادر وتصريح أئمّة اللغة والعربيّة بذلك واتّفاقهم عليه ، وكون « الكلّ » ممّا يعدّ سورا للإيجاب الكلّي الّذي ينقضه السلب الجزئي كما يرشد إليه انفهام المناقضة في متفاهم العرف بين قولي القائل : « رأيت كلّ رجل » و « ما رأيت زيدا » وصحّة تكذيب من قال : « كلّ الناس علماء » و « رأيت كلّ رجل ».