بل قضيّة دوران التكليف بين شخصين في غير الكفائي عدم استحقاق شيء منهما للعقوبة على تركه كما في الجنابة الدائرة بين شخصين.
وأمّا الثاني : فلكون الوجوب أمرا خارجيّا لا يمكن تعلّقه خارجا بالمبهم بل لا بدّ له من متعلّق معيّن في الخارج ليصحّ تعلّقه به.
ووهنه واضح للمتأمّل ، فإنّ البعض عند القائل بالوجوب عليه من حيث كونه أمرا منتزعا عن المعنيين وهم آحاد المكلفين له نوع تعيّن ، لوضوح عدم كون مراده به ما يكون مبهما من جميع الجهات بحيث لم يكن له اضافة إلى المكلّفين المعيّنين ، بل المراد به ما يضاف إليهم من حيث كونه فيما بينهم ... توصيفه بالمبهم لكون المراد بالإبهام عدم اعتبار فيه ... على حدّ الخطاب في الواجبات العينيّة ثمّ سقوطه بفعل ... (١) عدم التعيين من هذه الجهة تعيّنه من جهة اضافته إلى المعنيين والوجوب في تعلّقه وإن كان يقتضي محلاّ معيّنا ولكن يكفي فيه هذا النحو من التعيّن ولا يقتضي أزيد من ذلك بالضرورة.
وثانيهما : أنّه يصحّ لكلّ منهم أن ينوي الوجوب بفعله إجماعا ولو كان واجبا على البعض لما صحّ ذلك لكون قصد الوجوب من غير من يجب عليه بدعة محرّمة.
حجّة القول بتعلّق الوجوب بالبعض وجوه :
الأوّل : أنّ الواجب على الكفاية يسقط عن المكلّفين بفعل البعض ، فلو كان واجبا على الجميع لما كان كذلك ، لأنّ الواجب على المكلّف يستبعد أن يسقط عنه بفعل غيره.
الثاني : أنّه كما يجوز أمر المكلّف بواحد مبهم كخصال الكفّارة ، فكذا يجوز أمر واحد مبهم قياسا عليه ، والجامع تعدّد متعلّق الوجوب مع سقوط الوجوب بفعل البعض.
الثالث : قوله تعالى : ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ )(٢) فإنّ طلب الفقه من فرض الكفاية ، والآية أوجبت على كلّ فرقة أن ينفر منهم طائفة وتلك غير معيّنة ، فيكون المأمور بعضا غير معيّن.
والجواب عن الأوّل : بأنّه استبعاد محض لا يصلح دليلا ولا سيّما في مقابلة الدليل ، كيف وهو من مقتضى الترجيح الّذي قدّمنا ذكره ، مع أنّ سقوط التكليف عن المكلّف بفعل الغير ليس بعادم النظير ليكون منشأ للاستبعاد ، وكفى بسقوط وجوب أداء الدين عن المديون بأداء المتبرّع شهيدا بذلك.
__________________
(١) وقع سقط هنا في نسخة الأصل.
(٢) التوبة : ١٢٢.