الأمر الثاني
أنّ عموم المطلقات ليس كعموم العمومات فإنّه في العامّ وضعيّ ـ على معنى كون العموم المعبّر عنه باستغراق الحكم وشموله جميع جزئيّات موضوعه نفس ما وضع له اللفظ العامّ كما بيّنّاه في محلّه ، بتقريب : أنّ ألفاظ العموم بأسرها آلات وأدوات وضعت لتسريه الحكم إلى أفراد موضوعه ، ولقد عبّر عن هذه التسرية وعن سراية الحكم في تعريف العامّ بالدلالة واستغراق الجزئيّات ، حيث عرّف بأنّه : « اللفظ الموضوع للدلالة على استغراق أجزائه أو جزئيّاته » بالتوجيه الّذي شرحناه في محلّه ـ بخلاف المطلقات فإنّها ألفاظ وضعت لموضوع الحكم وهو الماهيّة من حيث هي أو الماهيّة من حيث الوحدة الغير المعيّنة المفسّرة بـ « الفرد المنتشر » حسبما تقدّم من قسمي المطلق.
ولا ريب أنّ عموم الحكم لأفراد الموضوع أو مصاديقه غير نفس الموضوع فيكون خارجا عن الموضوع له ، وإنّما يثبت ذلك العموم بحكم العقل من جهة السكوت في معرض البيان أي في مقام الحاجة إلى بيان القيد فيكون عقليّا ، وطريق إثباته : أنّ العقل بملاحظة ظهور اللفظ باعتبار تجرّده عن القيد مع كونه في مقام الحاجة إلى بيانه في إرادة الماهيّة أو الفرد المنتشر منها يحكم بعموم الحكم المعلّق عليه لأفراد الماهيّة أو لمصاديق الفرد المنتشر على البدل ، لأنّه لو اختصّ ببعض الأفراد أو بعض المصاديق مع عدم بيانه بذكر قيد يبيّنه لزم الإغراء بالجهل وهو قبيح على المتكلّم الحكيم ، فوجب أن يكون مراده التعميم حذرا عن الإغراء القبيح.
ولا فرق في كون العموم الإطلاقي عقليّا بين ما لو اعتبر الإطلاق بالقياس إلى الأفراد ، أو بالقياس إلى الأحوال ، أو بالقياس إلى الأزمان ، فإنّ قوله : « أعتق رقبة » يتضمّن إطلاقا بالنسبة إلى أفراد رقبة من المؤمنة والكافرة وغيرها ، وإطلاقا بالنسبة إلى أحوالها من القعود والقيام والركوب وغيره ، وإطلاقا بالنسبة إلى أحوال المكلّف من الطهارة والحدث وغيره ، وإطلاقا بالنسبة إلى أزمان العتق من كونه في النهار أو في الليل أو في يوم الجمعة أو يوم الخميس ، وإطلاقا بالنسبة إلى أمكنته من كونه في المسجد أو في البيت أو غيره ، وإطلاقا بالنسبة إلى الوجوب المستفاد من صيغة الأمر النافي لتوقّفه على حصول أمر غير حاصل كقدوم الحاجّ مثلا ، ومرجعه إلى ثبوته على كلا تقديري حصوله وعدم حصوله ، والعموم في الجميع يثبت بحكم العقل بملاحظة إطلاقه من جهة السكوت في معرض البيان