التأكيد ، وحيث يدخل عليهما « البعض » لا يفهم منه المناقضة ، فلو قيل في الآيتين : إنّ الله يسجد له « كلّ » من في السموات و « كلّ » من في الأرض ، و « كلّ ما » عندكم ينفد و « كلّ ما » عند الله باق ، لا يفهم منه التأكيد عرفا ، كما أنّه لو قيل : إنّ الله يسجد له « بعض » من في السموات و « بعض » من في الأرض ، و « بعض » ما عندكم ينفد و « بعض » ما عند الله باق ، لا يفهم منه المناقضة عرفا ، وهذا آية عدم دخول العموم في معنا هما وضعا.
وبالتأمّل فيما وجّهناه من استلزامهما العموم يعلم أنّه لا يتفاوت فيه الحال بين تضمّنهما معنى الشرط وعدمه ، إذ الاستلزام المذكور من مقتضى صفة الجنس وإن لم يتضمّنا معنى الشرط ، حتّى أنّ الشرطيّة الموجبة للعموم على القول الثالث ليست بداخلة في مدلول الموصول فكيف بالعموم الّذي ينشأ منها فإنّها اعتبار يلحق جملة الصلة ، وعلامته أن يتعقّب الصلة جملة اخرى مترتّبة عليها في الوجود فيلحقها الشرطيّة بمعنى السببيّة ، كما هو الحال في المبتدأ المنكر المتضمّن لمعنى الشرط ، نحو : « كلّ رجل يأتيني فله درهم » فإنّ الشرطيّة هنا اعتبار يلحق جملة الصفة لا أنّه داخل في مدلول المبتدأ المنكرة.
وما في كلام النحاة من التعبير بالمبتدأ المتضمّن لمعنى الشرط مسامحة في التعبير أو وارد على خلاف التحقيق ، فالشرطيّة هنا وفيما نحن فيه مستفادة إمّا من الهيئة التركيبيّة الحاصلة بين الجملتين ، أو من « الفاء » الجزائيّة الداخلة على الجملة الثانية المقتضية لسببيّة ما قبلها ، وإذا كانت الشرطيّة خارجة عن مدلول الموصوليّتين فكيف بالعموم الّذي يقتضيه الشرطيّة.
فتقرّر بجميع ما حقّقناه في المسائل الثلاث أنّ « من » و « ما » ليستا موضوعتين للعموم في شيء من اعتباراتها الثلاث من الشرطيّة والاستفهاميّة والموصوليّة.
الفصل الثالث
في نبذة اخرى ممّا ادّعي كونه للعموم على القول بأنّ له صيغة تخصّه وهي عدّة ألفاظ :
منها : « أيّ » في الشرط والاستفهام ، واختلفوا في كونه للعموم بمعنى الشمول والاستغراق وعدمه ، فذهب جماعة منهم الشيخ في العدّة والشهيد الأوّل وغيره إلى عدم كونه للعموم.
وعن الفيّومي التصريح بذلك ، قال في العدّة :
« ومنها « أيّ » فإنّها تستغرق ما يعقل وما لا يعقل وهي أعمّ من اللفظين معا ولأجل هذا إذا « قال : « أيّ شيء عندك » يحسن الإيجاب بما يعقل وما لا يعقل ، إلاّ أنّها لا تفيد الاستغراق كما تفيد « من » و « ما » إلاّ أن يدلّ دليل على ذلك فيحكم له بحكم الاستغراق » انتهى.