ولا ينافيه ما تقدّم في شرح « المبيّن العدم » من تبيّن عدم دخول الفرد النادر في المراد ، لكفاية انصراف الماهيّة إلى حيث التحقّق في ضمن الأفراد الشائعة في عدم دخوله في المراد ، ولا يستلزم ذلك دلالته على نفي الحكم عنه ولأجل ذلك يكون مسكوتاً عنه.
ثمّ إنّه لا فرق في انصراف المطلق إلى الأفراد الشائعة بين المطلق بمعنى « الماهيّة » والمطلق بمعنى « الحصّة الشائعة » وذلك لأنّ المايز بينهما على ما تقدّم في مقام التعريف أنّ المأخوذ في وضع الأوّل هي الماهيّة من حيث هي ، وفي وضع الثاني هي الماهيّة من حيث الوحدة الغير المعيّنة ، وكما أنّ الماهيّة من حيث هي المنفهمة من الأوّل تنصرف إلى حيث التحقّق في ضمن الأفراد الشائعة فكذلك الماهيّة المأخوذة من حيث الوحدة الغير المعيّنة المنفهمة من الثاني تنصرف إلى حيث التحقّق في ضمنها.
وهل قاعدة الانصراف مخصوصة بالمطلقات أو تجري في العمومات على معنى انصراف الألفاظ الدالّة على العموم بالوضع أيضاً إلى الأفراد الشائعة؟
وقد اختلفت الأنظار في ذلك وإن كان المعروف بين الاُصوليّين هو الاختصاص ، وقيل بجريانها في العمومات أيضاً حكاه الشهيد الثاني في تمهيد القواعد عن بعضهم ، ويظهر اختياره من السيّد في الرياض حيث يناقش في بعض المواضع في عموم : ( أوفوا بالعقود ) (١) بدعوى انصرافه إلى العقود المعهودة المتعارفة في زمان الصدور ، وقد يفصّل بين النادر والأندر.
ويظهر اختياره من بعض الأعلام حيث ذكر : « أنّ العمومات تحمل على الأفراد الشائعة والنادرة إن لم تكن في غاية الندرة ».
وتحقيق المقام : أنّ العامّ لفظ وضع لاستغراق الحكم لجزئيّات موضوعه وهو بهذا الاعتبار ممّا لا يتمشّى فيه الانصراف ، سواء كان هيئة مخصوصة كهيئة الجمع المحلّى باللام في قولنا : « أكرم الرجال » مثلا ، أو لفظاً تامّاً كلفظ « كلّ » مضافاً إلى نكرة في قولنا : « أكرم كلّ رجل » مثلا ، لأنّ الانصراف فرع على التشكيك وموجب التشكيك غلبة إطلاق اللفظ على فرد وندرته على غيره ، ولفظ العامّ لا يطلق على الفرد أصلا حتّى يغلب ذلك الإطلاق بالنسبة إلى فرد دون فرد ويتحقّق به التشكيك فيه من حيث إنّه عامّ ، بل يستعمل دائماً في استغراق الحكم لجزئيّات موضوعه ، فالعامّ من حيث هو عامّ وضعاً واستعمالا ممّا لا يتصوّر فيه الانصراف حيث لا يتصوّر فيه التشكيك ، وأيضاً فإنّ التشكيك من
__________________
(١) المائدة : ١.
(٢) القوانين ١: ٢٢٤.