فإنّ التحقيق أنّ أوّل ما ينتقل إليه الذهن من اللفظ هو الربط الخاصّ أعني الربط السببي ، لا أنّه ينتقل أوّلا إلى الربط اللزومي مطلقا ثمّ ينتقل ثانيا إلى الربط السببي.
الجهة الثالثة
في أنّه لا ينبغي التشكيك في ظهورها في تماميّة السبب واستقلاله ، على معنى عدم افتقار الشرط في ترتّب الجزاء عليه واقتضائه لوجوده إلى انضمام وجود أمر وجوديّ يقال له : « الشرط » إليه ، ولا إلى اعتبار عدم أمر عدمي يقال له : « المانع » معه ، بحيث لولا وجود الأوّل أو عدم الثاني لم يكن وجوده كافيا في ترتّب الجزاء عليه.
ومرجع هذا الظهور إلى التلازم بينهما في الوجود ، على معنى كون الشرط كالمجيء في قولنا : « إن جاءك زيد فأكرمه » بمقتضى ظهور التعليق بحيث كلّما وجد كان وجوده كافيا في ترتّب الجزاء عليه ، سواء وجد معه غيره ممّا احتمل كونه شرطا من أجزاء العالم أو لم يوجد ، وسواء عدم معه غيره ممّا احتمل كونه مانعا من أجزاء العالم أو لم يعدم ، فلو احتمل في المثال المذكور كون عدالة زيد أو ركوبه معتبرا مع مجيئه في وجوب إكرامه أو احتمل كون فسقه مانعا من وجوب إكرامه لم يلتفت إليه ، بل يبني على عدم الشرطيّة وعدم المانعيّة عملا بالظهور المذكور ، وهذا الظهور يفارق الظهور المتقدّم في الجهتين الاوليين في كون ما تقدّم ظهورا وضعيّا وهذا إطلاقي ، لاستناده إلى إطلاق ورود الشرط في القضيّة ، بمعنى عدم ذكر قيد وجوديّ ولا عدمي معه.
فالشكّ في شرطيّة شيء في تأثيره واقتضائه في وجود الجزاء أو في مانعيّة شيء آخر من تأثيره واقتضائه ، يرجع إلى الشكّ في تقييده بالقيد الوجودي أو العدمي ليكون المؤثّر التامّ هو المقيّد ، فينفى بالإطلاق وأصالة عدم التقييد.
مضافا إلى أنّه لولا المؤثّر والسبب التامّ في نظر المتكلّم هو الشرط المذكور في القضيّة مطلقا ولا بشرط شيء من القيود الوجوديّة والقيود العدميّة لزم السكوت عن بيان القيد في محلّ الحاجة إلى البيان وأنّه قبيح ، لكونه من الإغراء بالجهل القبيح على المتكلّم الحكيم ، وتوهّم سبق ذكر القيد أو عدم الحاجة إلى ذكره مدفوع بفرض خلافه.
لا يقال : كيف يمكن نفي المدخليّة في التأثير عن كلّ ما عدا الشرط تمسّكا بالإطلاق ، مع أنّه قد يكون الشيء سببا للشرط ، أو شرطا من شروطه ، أو سببا لسببه ، أو شرطا من شروط سببه ، إلى غير ذلك من مقدّمات وجود الشرط الّتي لها مدخليّة في تأثيره ولو