معرفة لم تكن للعموم وكانت بمعنى « الّذي » وهي خاصّة بلا خلاف.
ومنها : « ما » فيما لا يعقل إذا وقعت الموقع الّذي ذكرناه من المجازاة والاستفهام ومتى كانت معرفة لم تكن مستلزمة للعموم كما قلناه في « من » ومن الناس من قال : إنّ « ما » يعمّ ما يعقل وما لا يعقل وهي أعمّ من « من » وذلك محكيّ عن قوم من النحويّين » انتهى.
الظاهر أنّه أراد بالنكارة في المجازاة والاستفهام عدم دلالتها على شيء بعينه كما في المعرفة وهذا في المجازاة موضع منع تعرفه ، وكيف كان فـ « من » و « ما » كما نبّه عليه الشيخ تبعا لأئمّة اللغة يلحقهما اعتبارات ثلاث : اعتبار المجازاة ، واعتبار الاستفهاميّة ، واعتبار الموصوليّة ، وينبغي في استعلام كونهما للعموم وعدمه التكلّم على جميع اعتباراتهما الثلاث فها هنا مسائل ثلاث :
المسألة الاولى
في « من » و « ما » في المجازاة ويعبّر عنهما على هذا الاعتبار بـ « من » و « ما » الشرطيّتين ومن أمثلتهما قوله تعالى : ( مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ )(١)( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ )(٢)( وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ )(٣)( وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ )(٤) وظاهرهم فيها الاتّفاق على دلالتهما على العموم ، بل عن الفخري أنّه عدّهما ممّا يعلم كونه من صيغ العموم بالضرورة بعد الاستقراء ، وعليه جماعة منّا كالشيخ وبعض الأعلام وبعض الأعاظم.
واستدلّ بالتبادر وصحّة الاستثناء.
أقول : لا ينبغي الاسترابة في دخول العموم في مدلوليهما وإنكاره مكابرة للوجدان ، ولذا يصحّ التعبير بالكلّ عمّا دخل في مفهوميهما ، إلاّ أنّ الكلام في أنّ دخوله في مفهوميهما هل هو بحسب الوضع ليكون الدلالة عليه بالمطابقة ، أو باعتبار لزومه لما دخل في وضعيهما ليكون الدلالة عليه التزاميّة؟ فلقائل أن يمنع الأوّل بدعوى أنّه من لوازم الشرطيّة المأخوذة في وضعيهما ، بتقريب : أنّ الشرطيّة يراد بها سببيّة المقدّم للجزاء ومن خواصّ السببيّة عدم انفكاك المسبّب عن السبب ، ومعناه أنّه كلّما وجد السبب وجد معه المسبّب ، وهذا يستلزم العموم بمعنى استغراق الحكم وهو الجزاء لجميع جزئيّات موضوعه ، وبذلك يتطرّق القدح في الدليلين المتقدّمين ، فإنّ المسلّم من التبادر هنا انفهام المدلول الالتزامي فلا يكون وضعيّا ، وصحّة الاستثناء أيضا تابعة للمدلول الالتزامي.
__________________
(١) النساء : ١٢٣.
(٢) الزلزلة : ٧.
(٣) البقرة : ١٩٧. (٤) النحل : ٥٣.