مجرّد الاحتمال ، فجعلوا موضوع كلامهم في القياس الاستثنائي ما كان مقطوعا به من تلازم الطرفين في المقدّم والتالي ، وليس بمقطوع به إلاّ ملازمة وضع المقدّم لوضع التالي وملازمة رفع التالي لرفع المقدّم ، بخلاف الأوّلين ، فإنّهم بنوا في مدلول اللفظ على الملازمة بين المقدّم والتالي في كلّ من الوجود والعدم لعدم اقتصارهم في دلالات الألفاظ على المقطوع به ، بل المظنون به عندهم معمول به أيضا.
وممّا يشهد بالفرق المذكور استدلال الأوّلين فيما صاروا إليه بالتبادر والظهور ، وتعليل الآخرين فيما حكموا به بجواز عموم التالي ، فلولا نظرهم إلى المعاني والإيصال في العقليّات مع اعتبار القطع فيها لما كان تعليلهم منطبقا على المعلّل له ، لأنّ الاحتمال إنّما يقدح في الدلائل العقليّة الّتي يطلب فيها القطع بالمطلوب ، كما أنّه لولا نظر الأوّلين في الدلالات اللفظيّة بالقياس إلى الشرعيّات لما استقام استدلالهم المذكور لكون الظهور أعمّ من القطع بالمطلوب ، فلا منافاة بين كلاميهما ، ضرورة اعتبار وحدة الموضوع في التناقض ، ولم يظهر لأهل الميزان ولا غيرهم اصطلاح خاصّ في أدوات الشرط ، وإنّما يستعملونها في كشف مقاصدهم على طريقة استعمال غيرهم في المخاطبات ، وكثيرا مّا يستعملها العرف في إفادة اللزوم فقط وهو القدر المتيقّن من مفادها والجامع بين استعماليها ، فليتدبّر.
الفائدة الثانية
إذ قد عرفت اقتضاء التعليق على الشرط سببيّة المقدّم للتالي المستلزمة لانتفاء التالي بانتفاء المقدّم.
فاعلم : أنّه قد يرد في الخطاب قضايا شرطيّة متعدّدة اعتورت فيها شروط عديدة على جزاء واحد ، فيقع فيها التعارض بين منطوق كلّ ومفهوم الآخر على وجه تعارض العامّ والخاصّ نظرا إلى عموم المفهوم في كلّ ، كما لو قال : « إن جاءك زيد فأكرمه » و « إن أعطاك فأكرمه » و « إن ألبسك فأكرمه » وهكذا ، فإنّ مفهوم الأوّل أنّه إن لم يجئك فلا يجب إكرامه ، اعطاك أو لا ، ألبسك أو لا وحينئذ فلا بدّ من العلاج الّذي يتصوّر فيه وجوه :
أحدها : الالتزام بتعدّد الجزاء على حسب تعدّد الشروط فيما لو كان قابلا للتعدّد كإكرام زيد ، حتّى يكون كلّ شرط سببا تامّا لجزائه غير مقيّد بشيء من الامور الوجوديّة والعدميّة ، ويلزم من انتفائه انتفاء الجزاء الخاصّ به وهو الإيجاب المعلّق عليه خاصّة.
وقضيّة ذلك تعدّد الايجابات في صورة اجتماع الشروط وعدم تداخل المسبّبات ،