وتوضيحه : أنّ الوجوب لمّا كان مركّبا من الاذن في الفعل وكونه راجحا ممنوعا من تركه ، وكان رفع المنع من الترك كافيا في رفع حقيقة الوجوب ، لا جرم كان الباقي من مفهومه هو الإذن في الفعل مع رجحانه ؛ فاذا انضمّ إليه الإذن في الترك على ما اقتضاه الناسخ ، تكمّلت قيود الندب وكان الندب هو الباقي.
___________________________________
ـ لأنّ القدر المتيقّن ممّا ارتفع هو المنع من الترك لا جواز الفعل ـ لصلح رجحانه أيضا لابقائه بالاستصحاب ، لأنّ القدر المقطوع بزواله من الرجحان إنّما هو تأكّده لا تمامه وهو كاف في انعقاد الاستحباب.
خاتمة
لا يخفى عليك أنّ ما يثبت بعد النسخ من الاستحباب أو الاباحة أو الحكم المتردّد بينهما أو بين الثلاث حكم ظاهري وإن استند أحد جزئيه إلى دليل النسخ ، لاستناد جزئه الآخر إلى الأصل الّذي لولاه كان القول بعدم البقاء متّجها والنتيجة تتبع أخسّ مقدّمتيها ، فحينئذ لو قام دليل من الخارج على الحرمة كان العمل به متعيّنا من دون أن يعارضه الأصل المقتضي للحكم المذكور ، بخلاف ما لو كان مستند بقاء الجواز ظاهر الأمر المقتضي للمركّب فإنّه حينئذ مع الناسخ دليلان في حكم دليل واحد يثبت بهما الحكم المذكور ، فربّما يتأتّى المعارضة فيهما بالقياس إلى دليل الحرمة فتمسّ الحاجة إلى مراجعة قواعد الترجيح ، إلاّ أن يقال : إنّ دليل الحرمة حيثما ثبت ينهض قرينة كاشفة عن تعلّق النسخ بالمجموع المركّب من جزئي الوجوب ، ومعه لا يتأتّى التعارض إلاّ في بادئ النظر على قياس ما هو الحال في كلّ نصّ وارد على الظاهر.
ثمّ بالتأمّل في تضاعيف الكلمات السابقة يعلم أنّ ثمرة المسألة تظهر في انعقاد حكم آخر بعد نسخ الوجوب بمجرّد الجواز الّذي كان في ضمن الوجوب فلا حاجة لإثباته إلى دليل آخر ، وعدمه فلا بدّ لإثبات الحكم الآخر إلى الدليل.
وهذه ثمرة عظيمة غير أنّه في كلام جماعة عدم الوقوف على فرع للمسألة أو نفيه أو الحكم بقلّته.
نعم عن بعض الأصحاب أنّه فرّع عليه جواز الجمعة ندبا أو تخييرا بعد انتفاء وجوبها العيني بسبب فقد شرطه وهو حضور الإمام عليهالسلام ، فعلى القول بعدم بقاء الجواز يحرم تشريعا.