والكلام إنّما هو في المانع ولم يثبت ، لاحتمال كون المرتفع في مورد الاجتماع هو النهي ، مع أنّ فيما قرّرناه من الوجوه غناء عن الركون إلى الأصل وكفاية في توجيه التخصيص إلى الأمر ، ومعه لا معنى للأصل إلاّ من باب التأييد إن جوّزناه ، وإلاّ كما هو الحقّ فلا يصلح التأييد أيضا لارتفاع موضوعه مع قيام الدليل وإن كان موافقا له في الحكم صورة.
واحتجّ بعض الأعلام على ما صار إليه من التوقّف اجتهادا وعملا : « بأنّ مقتضى عدم جواز اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد عدم إمكان كون الشيء الواحد مطلوبا ومبغوضا ، وأمّا اقتضاء ذلك تخصيص الأمر بالنهي والحكم بالبطلان دون العكس فكلاّ ، فإنّ قول الشارع : « صلّ » مطلق والأمر يقتضي الإجزاء في ضمن كلّما يصدق عليه المأمور به وقوله : « لا تغصب » أيضا مطلق يقتضي حرمة كلّ ما يصدق عليه أنّه غصب ، والقاعدة المبحوث عنها بعد استقرارها على عدم الجواز لا تقتضي إلاّ لزوم إرجاع أحد العامّين إلى الآخر ، فلا وجه لتخصيص الأمر والقول بالبطلان كما اختاروه ».
إلى أن قال : « وبالجملة فلا بدّ من مرجّح يطمئنّ إليه النفس ثمّ الحكم على مقتضاه بالصحّة والبطلان » (١).
وفيه : أنّ مجرّد امتناع الاجتماع وإن كان لا يصلح للترجيح لكونه جهة لكنّ المرجّح قد ظهر ممّا قرّرناه على القول المختار.
المطلب الثاني
الظاهر أنّ الآتي بمورد الاجتماع اضطرارا لعدم المندوحة ـ لضيق وقت أو انحصار مكان أو سهوا أو نسيانا أو جهلا بالموضوع أو بالحكم حيث يعذّر الجاهل ـ ممتثل وعبادته صحيحة ، بل هو الظاهر من مذهب الفقهاء حيث يصحّحون العبادات الواقعة في المكان المغصوب لإحدى الامور المذكورة من غير فرق فيه بين المجوّزين لاجتماع الأمر والنهي والمانعين منه ، وهو مع ذلك ممّا لا إشكال فيه ، وليس الصحّة هنا لإرجاع التخصيص إلى النهي على عكس ما سبق من ارجاعه إلى الأمر في حقّ المختار العالم المتذكّر ليلزم كون كلّ من العامّين مستعملا في معنيين العموم والخصوص أو الماهيّة المطلقة والماهيّة المقيّدة ، بل لخروج موضوعي بالقياس إلى المكلّف ، فإنّ الخطابات
__________________
(١) القوانين ١ : ١٥٣.