إليه بل إلى طروّ الامور المذكورة بلا اختيار للمكلّف فيه ، فهو معه واقع فيها لا محالة سواء فرضناه منهيّا عن الفعل أو غير منهيّ عنه.
مع إمكان [ القول بعدم ] صدق عنوان [ المنهيّ عنه ] من أصله وهو التصرّف العدواني فيما نحن فيه (١) فلا وقوع للمفسدة فيبقى الأمر بالفعل المقتضي للصحّة بلا مانع يمنعه من جميع الجهات ولا مزاحم يزاحمه من جميع الوجوه.
لا يقال : لا وجه لتصحيح العبادة في هذه الموارد ، لجواز استناد البطلان إلى وجود المانع وهو الغصبيّة أو فقد الشرط وهو إباحة المكان ، ولذا ترى أنّ الفقهاء يذكرون إباحة المكان وإباحة الماء بالنسبة إلى الصلاة والوضوء من شروط الصحّة ، وكما أنّ قوله : « لا تصلّ حال الجنابة » مثلا يفيد كون الجنابة مانعا على معنى كون عدمها من قيود المكلّف به والطهارة شرطا ، فكذلك قوله : « لا تغصب » يقضي بمانعيّة الغصب وشرطيّة خلافها ، بل نقول : إذا ثبت أنّ الغصبيّة مانعة كان عدمها شرطا ، ومعه يتّجه الحكم في الموارد المذكورة بالبطلان وإن فرض الحرمة الفعليّة أيضا مرتفعة.
لأنّا نقول : إنّ استفادة المانعيّة من النهي على وجه يثبت به قيد عدميّ للمأمور به إنّما يستقيم في النهي المتعلّق بنفس العبادة كقوله : « لا تصلّ في الدار المغصوبة » لا بأمر خارج عنها متّحد معها في الوجود في بعض الأحيان كما نحن فيه ، فلا يبقى في النهي عن الغصب إلاّ إفادة التحريم الصرف وهو غير شامل لما نحن فيه ، فيبقى الأمر بلا مانع من اقتضائه الصحّة ، ولا ينافيه كون الإباحة على قول الفقهاء من شروط الصحّة ، لأنّ الإباحة غير عدم الغصبيّة وهي على معناها المعروف حاصلة في الموارد المذكورة ، إذ المفروض ارتفاع الحرمة بما فرض فيها من الأعذار العقليّة فتثبت الإباحة وهو المطلوب.
المطلب الثالث
قد ظهر بتضاعيف ما تقدّم أنّ الأمر والنهي إذا كان اجتماعهما في غير موضع
__________________
(١) لأنّ طروّ الأحوال المذكورة كما أنّها رافعة للحرمة عن هذا الفعل فكذلك تكون رافعة لأصل العنوان المنهيّ عنه المشتمل على المفسدة وهو الغصب الّذي هو عبارة عن التصرّف العدواني ، على معنى أنّه يوجب خروج الفعل المذكور عن عنوان التصرّف العدواني ، ضرورة أنّه مع أحد الأعذار المذكورة ليس تصرّفا عدوانيّا فلا يكون مشتملا على مفسدة المنهيّ عنه فيسلم مصلحته عن المزاحم ( نقلناه عن هامش التحرير الأوّل من التعليقة بخطّ يده رحمهالله إيضاحا لمراده قدسسره ).