الأمر الثالث
في حقيقة المطلق ومجازه ، وبيان أنّه بأيّ نحو من الاستعمال يكون حقيقة وفي أيّ نوع منه يكون مجازا.
فاعلم أنّه قد ظهر من تضاعيف ما تقدّم ولا سيّما مقام التعريف أنّ المطلق له قسمان :
أحدهما : ما وضع للدلالة على الماهيّة من حيث هي.
والآخر : ما وضع للدلالة على الماهيّة من حيث الوحدة الغير المعيّنة المعبّر عنها تارة بالفرد المنتشر واخرى بفرد مّا من الماهيّة ، أيّ الفرد المعرّى عن اعتبار التعيين.
وظاهر أنّ حقيقة الأوّل إنّما هو إذا استعمل في الماهيّة لا باعتبار الوجود الملازم للتعيين ولا باعتبار الوصف المخصوص وإن لم يلازم الوجود كالإيمان والكفر وما أشبه ذلك ، ومجازه إنّما هو حيث استعمل في الماهيّة الموجودة أي المجموع من الماهيّة ووجودها بأن يكون الوجود أيضا جزء من المستعمل فيه ، أو الماهيّة الموصوفة بمعنى المجموع من الماهيّة ووصفها بأن يكون الوصف أيضا جزءا من المستعمل فيه ، فوجه المجازيّة حينئذ دخول ما خرج عن الموضوع له في المستعمل فيه.
وعلى هذا القياس حقيقة القسم الثاني ومجازه فإنّه إذا استعمل في الفرد لا باعتبار التعيين يكون حقيقة ، وإذا استعمل فيه باعتبار التعيين أي مع جزئيّته للمستعمل فيه يكون مجازا.
وأمّا إذا اطلق المطلق بالمعنى الأوّل واريد المقيّد أعني الماهيّة باعتبار الوجود الملازم للتعيين أو باعتبار الوصف وإن لم يلازم الوجود ففي كونه حقيقة مطلقا أو مجازا كذلك أو حقيقة في الجملة ومجازا كذلك خلاف على أقوال :
أوّلها : معروف عن المحقّق السلطان.
وثانيها : عن بعض الأعلام ، وإن كان يخدشه أنّ ظاهر عبارته التفصيل بين ما في الأخبار فالحقيقة وما في الإنشاء فالمجاز ، فهذا التفصيل ثالث الأقوال.
ورابعها : التفصيل بين المقيّد بالمتّصل : كـ « رقبة مؤمنة » فالحقيقة ، والمقيّد بالمنفصل كما لو حمل المطلق في قوله : « أعتق رقبة » على المقيّد بدليل قوله : « أعتق رقبة مؤمنة » وهو خطاب منفصل عن الأوّل وهذا خيرة الضوابط تبعا لشيخه الشريف.
ومن المعلوم عدم إمكان تنزيل هذا النزاع على الكبرى في صغرى فرضيّة محرزة وهي فرض المطلق مستعملا في المقيّد باعتبار الماهيّة المتحقّقة فيه معرّاة عن التعيين