لعدم تناوله لجملة من أنواع المحدود من جهة عراها عن استلزام الذمّ أو العقاب أو استحقاقهما كما لا يخفى ، مع انتقاض أكثرها في عكسها من جهات عديدة ، مع افتقار سلامة الباقي إلى تكلّفات واهية كما تقدّم الإشارة إليها في بحث المقدّمة.
وإن أبيت إلاّ عمّا يكون تحديدا على هذا النمط ، فالأجود أن تقول في تحديده : « بأنّه ما يذمّ تاركه ولو من جهة غيره » بالتقريب المتقدّم في البحث المذكور ، مع ما فيه من نوع تأمّل أيضا يظهر وجهه بأدنى التفات إلى ما سبق.
وأمّا المخيّر الّذي هو نوع من الواجب ومعقد للبحث هنا فلم نجد في كلام القوم حسبما حضرتنا من كتبهم تحديدا له إلاّ ما تعرّض له البهائي من حكاية تحديده بوجهين :
أحدهما : ما أشار إليه في حاشية زبدته من أنّه : « ما يسقط الواجب بفعله ».
وثانيهما : ما ذكره في المتن من أنّه : « ما عيّن له الشارع بدلا من غير نوعه اختيارا » ثمّ قال ـ في توجيه القيود ـ : فخرج « بالتعيين » احتراق الميّت وبالثاني (١) صوم المسافر والموسّع والكفائي ، وبالأخير الوضوء ونحوه.
ولا يخفى ما في الأوّل منهما من الفساد الواضح ، فإنّ الموصول لو اريد به ما ليس بواجب يكون تحديدا بالمبائن ، إذ المفروض تحديد الواجب لا غيره ، ولو اريد به الواجب خاصّة ليكون المعنى : « واجب يسقط بفعله » يكون للواجب المعيّن بالخصوص أو متناولا له أيضا ، والمفروض إرادة تحديد الواجب المخيّر فلا يطّرد.
ولو اريد به ما يعمّ الواجب وغيره انتقض في طرده أيضا بفرد الكلّي ، وبفعل غير المكلّف ، وبفعل مكلّف غيره ، وبغير فعله المسبّب عن فعله ، وبفعله على وجه غير مشروع ، وبفعله إذا كان ضدّا للواجب المضيّق ، وبفعله إذا كان جزءا أخيرا من أجزاء الواجب ، وبالجزء الأخير من العلّة التامّة ، فإنّ الفرد مسقط للكلّي المأمور به ، واحتراق الميّت أو أكل السبع إيّاه مسقط لتغسيله الواجب ، ونزول المطر وورود السيل على النجس مسقط للغسل الواجب أو إزالة النجاسة عن المسجد ، ومثله نيابة الغير عنه في أداء دينه ونحوه ممّا يقبل النيابة ، والامتناع الرافع للتكليف المسبّب عن إيجاده اختيار [ ا ] سبب الامتناع مسقط لما في ذمّته من الواجب ، وكذلك غسله المحرّم كما إذا كان بماء مغصوب ، والوجه في البواقي ظاهر.
وأمّا الثاني : فيرد على عكسه التخيير في مقدّمات الواجب بناءا على وجوبها ، لعدم
__________________
(١) فإنّ له بدلا كما قال الله تعالى ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر ) ولكنّه بدل من نوعه. ( منه عفي عنه ).