عن الدلالة على ثبوته لغير محلّ النطق أيضا ، وأنّه لولاه لخرج المنطوق المتّفق على ثبوته عن كونه منطوقا ، أو رجع النزاع في المفهوم إلى كونه نزاعا في المنطوق ، وأنّ الحكم المذكور من جهة اختصاصه بمحلّ النطق حكم شخصيّ وجزئي حقيقي غير قابل للسراية والتعدّي إلى غير موضوعه المذكور في الكلام ، فانتفاؤه عن غير محلّ النطق من مقتضيات ذاته من حيث قصور العبارة عن الدلالة على ثبوته له ، لا من جهة دلالة الخطاب عليه وكونه من مقاصد المتكلّم ، مع أنّ القيد الوارد في الكلام على تقدير كونه قيدا للحكم ـ ولو تبعا لموضوعه ـ إنّما يعرض الحكم الكلّي الملحوظ قبل النطق فيصيّره شخصين ، أحدهما : المثبت لمحلّ النطق وهو المذكور في الكلام الّذي يقال له : « المنطوق » والآخر : المنفيّ عن غير محلّ النطق على القول بالدلالة وهو « المفهوم » فكيف يتصوّر رجوع النفي والاثبات إلى الأوّل.
الأمر الرابع
ربما يظهر في المسألة خلاف صغروي يعبّر عنه : بأنّ الغاية هل هو قيد راجع إلى الحكم أو إلى موضوعه؟ حتّى أنّ منهم من جعل مبنى القول بالدلالة على مخالفة ما بعد الغاية لما قبلها على الأوّل.
فمن أفاضل العصر من صرّح به تعويلا على العرف ، حتّى أنّه في دفع ما أورده على نفسه في هذه الدعوى من أنّ القيود الواردة في الكلام على ما ذكروه متعلّقة بمادّة الفعل لا بهيئته اضطرّ إلى تكلّف تكلّفه وهو : أنّ الأمر وإن كان كذلك ، إلاّ أنّ جعل الشيء قيدا للمادّة على نوعين ، فقد يلاحظ المادّة مقيّدة بالقيد ثمّ يحكم عليها بوجوب أو تحريم أو غيرهما ، وقد تلاحظ معروضة للحكم من وجوب أو غيره ثمّ تقيّد ، والمستفاد عرفا من نحو « صم إلى الليل » هو المعنى الثاني.
وهذا كما ترى ، ويمكن استفادة ذلك أيضا من عناوين أهل القول بالدلالة ، فإنّها بين مصرّحة بتقييد الحكم وظاهرة فيه كما هو ظاهر للمتتبّع.
ومن الفضلاء (١) من يظهر منه الجزم بالثاني ، مصرّحا : « بأنّ توابع الفعل ومتعلّقاته قيود لمدلول [ مادّته ] ويمكن تنزيل مقالة المنكرين للدلالة على المصير إلى هذا الاعتبار ، بدعوى : أنّ مفاد قوله : « صم إلى الليل » يرجع إلى أنّه يجب الإمساك المحدود بكون آخره
__________________
(١) الفصول : ١٥٤.