وقوع ذبح شرعيّ عليه لا لبيان طهارة موضع عضّ الكلب من حيث ملاقاته النجس وعدم افتقاره إلى التطهير ، فلا ينافيها حرمة أكله من حيث النجاسة العرضيّة إلى أن يغسل ، فلا يمكن التمسّك بإطلاق « كلوا » إلى آخره لاستباحة موضع عضّ الكلب من دون تطهير كما صنعه الشيخ على ما نسب إليه ومن أمثلته قوله عزّ من قائل : ( وأحلّ لكم الطيّبات ) (١) فإنّه مسوق لبيان حليّة الطيّب من حيث كونه طيّباً فلا ينافيه الحرمة من حيث طروّ المغصوبيّة أو كونه مال اليتيم ، فلا يمكن التمسّك بإطلاقه لاستباحة الطيّبات المغصوبة أو مال اليتيم منها.
ونحوه ما لو قال : « لحم الغنم مباح » بالقياس إلى ما طرأه من المغصوبيّة أو الميتيّة ، ومن أمثلته أيضاً قول الطبيب للمريض : « لابدّ لك من شرب الدواء » فإنّه مسوق لمجرّد تشريع شرب الدواء للمريض على وجه الإجمال والإهمال من دون قصد إلى بيان تفصيل ما يشرب ووقت شربه وكيفه وكمّه ، فليس فيه إطلاق يتمسّك به لتجويز شرب كلّ دواء في كلّ وقت وبكلّ كيفيّة أو كلّ مقدار ، بل هذه التفصيلات كلّها أحكام لابدّ من استعلامها من خطابات اُخر غير هذا الخطاب المجمل.
ومن هنا ظهر الحال في مثل قوله تعالى : ( أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) (٢) و ( من شهد منكم الشهر فليصمه ) (٣) و ( لله على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا ) (٤) وما أشبه ذلك ، فإنّها خطابات وردت لتشريع هذه العبادات على وجه الإجمال والإهمال من غير قصد تفاصيل ما يعتبر فيها وما لا يعتبر من الأجزاء والأركان والشرائط والآداب ، فلا يمكن التمسّك بإطلاقاتها للاجتزاء بكلّ ما يصدق عليه أسامي هذه العبادات في عرف المتشرّعة على القول بالأعمّ من الزائد والناقص من حيث الأجزاء والشرائط ، ومرجعه إلى أنّه ليس فيها إطلاق يتمسّك به لنفي الأجزاء والشرائط المشكوكة ، ولا لإثبات جزئيّة أو شرطيّة ما زاد على الأجزاء والشرائط المحقّقة حتّى على القول بالأعمّ ، بل تفاصيل الأجزاء والشرائط إثباتاً ونفياً أحكام اُخر يجب ورودها بخطابات اُخر ولو كانت من قبيل القواعد العامّة أو الاُصول العمليّة.
وبالتأمّل فيما ذكرناه من الأمثلة يظهر أنّ عدم الإطلاق فيما ورد في مقام بيان حكم آخر قد يكون لكونه ساكتاً عن الحكم المبحوث عنه نفياً وإثباتاً كما في : ( كلوا ممّا أمسكن ) (٥)
__________________
(١) المائدة :٤ و ٥.
(٢)البقرة : ٤٣.
(٣) البقرة : ١٨٥.
(٤) ال عمران : ٩٧.
(٥) المائدة : ٤.