أصل
الأقرب عندي : أنّ نسخ مدلول الأمر وهو الوجوب لا يبقى معه الدلالة على الجواز* (١)
___________________________________
(١) * لا ينبغي التأمّل في كون هذه المسألة أيضا كلاميّة أخذت هنا من باب المبادئ الأحكاميّة ، لكونها باحثة عن حال الوجوب الّذي هو محلّ النسخ أو الجواز الّذي هو جنسه.
وأيّا ما كان فهو من الحكم ومن قبيل المدلول لا الدليل ، وتوهّم رجوع البحث إلى الأمر الدالّ على الوجوب ـ من حيث إنّه بعد النسخ هل يبقى دلالته على الجواز أو لا؟ ـ وهو من الدليل ، فيكون بحثا عن حال الدليل من حيث بقاء دلالته وعدم بقائها ، بعيد عن الاعتبار خصوصا والنسخ من الحالات العارضة للمدلول لا الدليل ، مع احتجاج القائل بالعدم ، بأنّ الجنس لا بقاء له مع ارتفاع الفصل.
ولا يشهد لما ذكر احتجاج القائل بالبقاء بوجود المقتضي ـ وهو الأمر ـ وفقد ما يصلح مانعا ، ولا سيّما بملاحظة قوله أخيرا ـ على ما يأتي في عبارة المصنّف ـ : « بأنّ المدّعى ليس ثبوت الجواز بمجرّد الأمر بل به وبالناسخ ، فجنسه بالأوّل وفصله بالثاني » بدعوى أنّه يقضي برجوع البحث إلى دلالة الأمر ـ ولو بضميمة الناسخ الّذي هو أيضا دليل ـ والدلالة من أحوال الدليل ، أو بدعوى أنّه بحث في دلالة المجموع من الأمر والناسخ على الإباحة وعدمها.
فإنّ أخذ الدليل حجّة على المطلب والنظر في دلالته عليه والعدم غير البحث عن حال الدليل على وجه يكون المطلوب المبحوث عنه هو حال الدليل لا غير ، والمطلوب هنا بقاء الجواز على وجه ينعقد به بانضمام مفاد الناسخ إليه الإباحة أو حكم آخر ، والاستناد لإثباته إلى دلالة الدليل لا يوجب كون الدلالة هو المطلوب المبحوث عنه وهذا واضح.
ثمّ إنّ تخصيص الوجوب بالذكر في عنوانات المسألة ربّما يقضي باختصاص النزاع به ، غير أنّ مفاد الأدلّة عامّ له وللحرمة فوجب أن يجري فيها النزاع أيضا إذا نسخت ، نظرا إلى أنّها أيضا مركّبة من جواز الترك والمنع من الفعل والناسخ فيها أيضا كما يحتمل رجوعه إلى المجموع من الجنس والفصل كذلك يحتمل رجوعه إلى الفصل فقط ، فيصحّ أن ينازع في بقاء الجنس وهو جواز الترك على قياس جواز الفعل في الوجوب.