المقام الرابع
في تعريف هذين الموضوعين حسبما صنعه الاصوليّون ، والمعروف فيما بينهم قولا ونقلا أنّ المنطوق : ما دلّ عليه اللفظ في محلّ النطق ، والمفهوم : ما دلّ عليه اللفظ لا في محلّ النطق.
وقد يعبّر عن الدلالة بالفهم فيقال : إنّ المنطوق ما فهم من اللفظ في محلّ النطق والمفهوم بخلافه كما عن النهاية ، وفي معناهما : المنطوق ما فهم من اللفظ نطقا والمفهوم بخلافه كما عن الآمدي ، ويعبّر في تضاعيف كلماتهم ومطاوي عباراتهم عن محلّ النطق تارة بالمنطوق به واخرى بالملفوظ به ، وعن غير محلّ النطق بالمسكوت عنه ، والجامع بينهما ما له المدلول قبالا للمدلول المعبّر به عن الحكم ، فما له المدلول عبارة عن موضوعه ، والمراد بالموضوع هنا ـ بل مطلق مصطلح الاصوليّين على ما قيل ـ ما له نوع تعلّق بالحكم سواء كان مسندا أو مسندا إليه أو من متعلّقات المسند أو المسند إليه ، أو كان من شروط الحكم أو أسبابه أو علله الناقصة ، لا خصوص الموضوع المنطوقي ، فالشرط والوصف والغاية وكلّ قيد وفضلة في الكلام موضوع بهذا المعنى ، فهو بهذا المعنى قد يكون هو المكلّف وقد يكون هو المكلّف به ، وقد يكون من قيودهما ، وقد يكون من شروط التكليف وعلله.
وعلى هذا فيكون مدخول الظرفيّة أعني « محلّ النطق » عبارة عن نفس الموضوع المعبّر عنه بما له المدلول ، كما تنبّه عليه الفاضل السيّد صدر الدين وحكى عن بعض الفضلاء أنّه قال في حاشيته على شرحه للزبدة : « يعبّر عن المذكور بمحلّ النطق وعن المسكوت عنه بغير محلّ النطق ».
ومن هنا ظهر النكتة في التعبير عن الموضوع بمحلّ النطق فإنّه باعتبار كونه مذكورا في الكلام ، وإدخال النفي عليه بعبارة « لا في محلّ النطق » أو « في غير محلّ النطق » في تعريف المفهوم تنبيه على اعتبار كون موضوع الحكم المفهومي غير مذكور في الكلام ، فهذا هو الفارق بينه وبين المنطوق ، فالموضوع في نحو : « الغنم السائمة فيه زكاة » هو « السوم » وهو مذكور في القضيّة المنطوقيّة دون المفهوميّة ، وفي مثل : « إن جاءك زيد فأكرمه » هو « مجيء زيد » وهو مذكور في المنطوق دون المفهوم.
فحاصل معنى تعريف المنطوق حينئذ : « أنّه حكم دلّ عليه اللفظ ، ثابت في موضوع مذكور في الكلام » والمفهوم : « حكم دلّ عليه اللفظ ، ثابت في موضوع غير مذكور ».