تنبيهات
أوّلها : إنّ الحصر بـ « إنّما » قد يرد من باب قصر الصفة على الموصوف وقد يرد على عكس ذلك ، فمن الأوّل قوله تعالى : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا )(١) فإنّه يفيد ثبوت الولاية لهؤلاء وانتفاءها عن غيرهم ، ومن الثاني قوله تعالى : ( إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ )(٢) فإنّه يفيد ثبوت وصف البشريّة والمماثلة والوحي له وانتفاء غيره عنه من الصفات الّتي كانوا يتوهّمونها له صلىاللهعليهوآله ككونه ملكا وغير ذلك ، وقد يأتي « إنّما » تأكيدا للحصر المستفاد من غيره لا أنّه بنفسه يفيد الحصر كما في « إنّما القائم زيد » و « إنّما زيدا ضربت » فإنّ الحصر في الأوّل يفيده تعريف المسند إليه أو جعل المبتدأ وصفا عامّا لموصوف خاصّ خبرا له ، وفي الثاني تقديم ما حقّه التأخير ودخول « إنّما » معه لا يقصد منه إلاّ التأكيد.
ويمكن القول في مثل ذلك بأنّ إدخال « إنّما » قرينة على أنّ [ غرض ] المتكلّم إفادة الحصر في هذا التركيب بواسطته لا بواسطة ما ذكر من العنوانين فيكونان حينئذ من المواضع المخرجة عمّا هو الأصل فيهما من إفادة الحصر ، ولكن الأوّل أوفق بالاعتبار.
ثمّ إنّ الحصر أمر نسبيّ يقتضي محصورا ومحصورا فيه ، وملاك الفرق بينهما في الحصر بـ « إنّما » تقدّم المحصور وصفا كان أو موصوفا وتأخّر المحصور فيه كذلك ، فكلّ اسم واقع عقيب « إنّما » فهو محصور والاسم المتأخّر عنه محصور فيه ، وهذا أصل كلّي يرجع إليه في مواضع الاشتباه مصرّح به في كلام الاصوليّين وأهل العربيّة ، وقد يقيّد ذلك بالغلبة كما في كلام بعض الفضلاء حيث قال : ويعتبر تأخّر المقصور عليه عن المقصور غالبا ، وقد يتقدّم إذا كان التقديم مفيدا للحصر كما في قولك : « إنّما زيد ضرب » (٣).
وهذا القيد كما ترى لا يعرف له وجه سوى الاحتراز عن المثال المذكور ونظائره كما ظهر من العبارة وهذا ليس بسديد ، فإنّ الاحتراز فرع على التناول والكلام في الحصر المستند إلى « إنّما » وهو في المثال المذكور مستند إلى التقديم وإنّما لم يرد هنا إلاّ للتأكيد ، فهو ليس من جزئيّات القاعدة ليكون مخرجا عنها واقعا في الطرف المقابل للغالب.
فالحقّ أنّ القاعدة مطّردة على حدّ الإيجاب الكلّي والعامّ الاصولي.
ثانيها : اختلفوا في الحصر بـ « إنّما » على تقدير الدلالة عليه في كونه منطوقا أو مفهوما على قولين حكاهما ابن الحاجب وغيره.
__________________
(١) المائدة : ٥٥.
(٢) الكهف : ١١٠.
(٣) الفصول : ١٥٤.