جهة الحكمة ، كما سيأتي عند تحرير أقوال المسألة في حجّيّة مفهوم الشرط ، وعليه مبنى الاحتجاج بأنّه لو لم يفد التعليق انتفاء الحكم عند انتفاء الشرط أو الوصف لكان التعليق لغوا ، وإلاّ فعلى الطريقة الحقّة ـ من كون الدلالة على الانتفاء عند الانتفاء لفظيّة منوطة بالوضع أو التبادر والانفهام العرفي ـ فلا وجه لذكرها في باب الأدلّة العقليّة ولا لعدّها من الاستلزامات العقليّة.
وبالتأمّل فيما ذكرنا ينقدح كون المسألة في مباحث الحجيّة اصوليّة باحثة عن حال الخطاب المتضمّن للتعليق من حيث إنّه يدلّ أو لا يدلّ على الانتفاء عند الانتفاء ، ولا ينافيه التعبير بالحجّيّة في تضاعيف عباراتهم كقولهم : « مفهوم الشرط مثلا حجّة ، ومفهوم الوصف ليس بحجّة » لأنّه من باب التعبير باللازم ، حيث إنّ الدلالة المعتبرة حيث ثبتت يلزمها الحجّيّة ، فالبحث إنّما هو في إثبات الملزوم وهو « الدلالة » لا في إثبات اللازم وهو « الحجّيّة بعد الفراغ عن إحراز الملزوم » كما ربّما يوهمه العبارة في بادئ الرأي ، فإنّ الحجّيّة بعد ثبوت الدلالة ممّا لا مجال لأحد إلى إنكاره.
وكيف كان فينبغي قبل الخوض في مباحث الحجّيّة ، أن يورد امور تلاحظ في الباب من باب المبادئ المشتركة بين المنطوق والمفهوم فنذكر هذه الامور في مقامات :
المقام الأوّل
في أنّ المنطوق والمفهوم من مصطلحات الاصوليّين ، وهما ليسا كالحقيقة والمجاز والمشترك والمنقول من صفات اللفظ ، ولا كالكلّيّة والجزئيّة والتواطؤ والتشكيك من صفات المعنى لذاته ، ولا كالمطابقة والتضمّن والالتزام من صفات الدلالة ، بل وصفان للمعنى من حيث مدلوليّته للّفظ ويقال له : المدلول ، فيكونان وصفين للمدلول لتنصيص بعض الاصوليّين كالتفتازاني بذلك ، ناسبا له إلى صريح عباراتهم حيث قال ـ في شرح قول العضدي : « وما ها هنا مصدريّة » ـ هذا وإن كان مصحّحا لكون المفهوم والمنطوق من أقسام الدلالة ، لكنّه يحوج إلى تكلّف عظيم في تصحيح عبارات القوم ، لكونها صريحة في كونهما من أقسام المدلول كما قال الآمدي : « المنطوق ما فهم من اللفظ نطقا أي في محلّ النطق ، والمفهوم ما فهم من اللفظ في غير محلّ النطق » انتهى.
وتبادر المدلول حيث يردان في الاستعمال مطلقا وهو المعهود من اطلاقاتهما في تضاعيف الكتب الفقهيّة والاصوليّة كما يقال في آية النبأ (١) مثلا أنّ منطوقها وجوب التثبّت
__________________
(١) الحجرات : ٦.