وحمل المطلق على المقيّد وتقديم الخاصّ على العامّ إذا اجتمع شروط الاعتبار ، لأنّ المذكورات أحكام كبرويّة حصل الاتّفاق عليها على تقدير تحقّق صغراها وهو التنافي الظاهري فيما بين مدلولي العامّ والخاصّ والمطلق والمقيّد ، وكلامهم هنا صغرويّ ومنشؤه الشبهة في التنافي وفيه بحث يأتي بيانه في باب حمل المطلق على المقيّد.
ثانيها : بيان الفرق بين العبادة والمعاملة لكون معرفتهما من مبادئ المسألة فنقول : إنّ « العبادة » في لسان الفقهاء بل المتشرّعة في الجملة تطلق على حسب الموارد الجزئيّة المختلفة الأنواع على معان :
منها : الصلاة والصيام وغيرهما من الماهيّات المخترعة الشرعيّة الّتي يقع عليها اسم الواجب التعبّدي قبالا للواجب التوصّلي ، وضابطه الكلّي الجامع لشتات جزئيّاته ما أمر به لأجل التقرّب والزلفى وقد يعبّر عنه بما أمر به لأجل التعبّد ويقابله المعاملة فهي ما لم يؤمر به لأجل التقرّب والزلفى ، سواء أمر به لا لأجل ذلك كالواجبات التوصّليّة أو لم يؤمر به أصلا كالبيع والإجارة والنكاح والطلاق والظهار وغيرها من أنواع العقود والإيقاعات.
والعبادة بالمعنى المذكور أخصّ منها بالمعنى الآتيين لعدم تناولها المندوبات ولا نحو العتق والوقف ولا سائر أنواع العقود والإيقاعات كما عرفت ، وهي بهذا المعنى موضوع البحث المعنون في محلّه من أنّ الأصل في الواجب أن يكون عبادة أو معاملة؟ فإنّ القول الأوّل معناه : أنّ الأصل في كلّ واجب كونه بحيث أمر به لغاية التقرّب الّتي لا تتأتّى بحكم العادة والعقل إلاّ مع قصد الإطاعة ونيّة الانقياد ، وقضيّة ذلك اشتراط صحّة المأمور به بالنيّة وقصد القربة ، وعمدة دليله حسبما اعتمد عليه أصحابه من الاصول اللفظيّة فهم العرف وبناؤهم على أنّ امتثال الأمر لا يحصل إلاّ بذلك ومن الاصول العمليّة قاعدة الاشتغال القاضية بتوقّف يقين البراءة على القصد والنيّة.
ونحن أوردنا تحقيق ذلك مشروحا في رسالة منفردة (١) وليس هنا محلّه.
نعم هنا دقيقة لا بأس بالإشارة إليها وهي عدم إمكان الجمع بين دليل هذا القول وبين الضابط المتقدّم من غير تأويل وتكلّف ، فإنّ مقتضى ذلك الضابط كون الغاية الباعثة على الأمر والفائدة المقصودة منه حصول التقرّب وهو لا يلائم الدليل المذكور بشيء من وجهيه.
__________________
(١) المسمّاة بـ « رسالة في أقسام الواجب » وهي موجودة عندنا بخطّه الشريف ونسأل الله التوفيق لطبعها ونشرها إن شاء الله تعالى.