في مباحث الأدلّة العقليّة في الاستلزامات العقليّة قبالا للمستقلاّت العقليّة ، وظاهر أنّ الأحكام العقليّة لا تندرج في المنطوق والمفهوم ، ولا يصحّ إطلاق شيء منهما عليها لكونهما من المداليل اللفظيّة ، فلا داعي حينئذ إلى إدراج وجوب المقدّمة وحرمة الضدّ في حدّ المنطوق بل لا معنى له ، ويكفي في خروجهما عنه وعن حدّ المفهوم أيضا قيد « دلالة اللفظ » المأخوذ.
ومن أقوى ما يشهد بما ذكرنا ، أنّه لم يوجد في كلام فقيه ولا اصوليّ أنّه أطلق المنطوق أو المفهوم عليهما كما أنّهما يطلقان على سائر الأحكام العقليّة بل على مطلق الأحكام اللبّية ؛ خذ هذا واغتنم.
المقام الخامس
في أنّهم قسّموا المنطوق إلى صريح وهو : ما وضع له اللفظ ، وغير صريح : وهو ما يلزم ممّا وضع له اللفظ.
وصرّح غير واحد من العامّة والخاصّة كبعض أفاضل السادة والبهائي في الزبدة وغيرهما باندراج المدلول التضمّني في المنطوق الصريح.
وأنكره بعض الفضلاء واستشكله بعض الأعلام قائلا : « ولي في كون التضمّني صريحا إشكال ، بل هو من الدلالة العقليّة التبعيّة ، فالأولى جعله من باب الغير الصريح ».
أقول : وعندي أنّ هذا الخلاف ممّا لا يرجع إلى محصّل ولا يعود إلى طائل ، لكونه اختلافا في أمر اصطلاحي ، فكون التضمّني بحسب الاصطلاح من قسم الصريح أو غير الصريح لا يترتّب عليه فائدة عمليّة ولا علميّة ، ولا يكون مبتنيا على اختلافهم في أنّ دلالة التضمّن هل هي دلالة متميّزة عن دلالة المطابقة حتّى تكون عبارة عن فهم الجزء بعد فهم الكلّ أو لا؟ بل هي أمر اعتباري يتولّد من إضافة الدلالة على ما وضع له اللفظ إلى الجزء ، على معنى أنّها دلالة واحدة يقال لها : « المطابقة » باعتبار إضافتها إلى الكلّ ، و « التضمّن » باعتبار إضافتها إلى الجزء ، فالفرق بينهما اعتباري كما سبق إلى بعض الأوهام.
فإنّ هذا كلام في مسألة علميّة والمقام ليس منها ، فلا مانع من انعقاد اصطلاح المنطوق الصريح فيما يعمّ الأمر الحقيقي وهو المطابقة والأمر الاعتباري وهو التضمّن إن بنينا على عدم كونها متميّزة عن المطابقة.
مع أنّه لو أردنا تحقيق المقام نقول : بأنّ بناء الخلاف إنّما هو على أنّ المراد ممّا وضع