إذ به يحصل الجمع بين ما يقتضي إفادة الطبيعة وهو الوضع وما يقتضي إفادة الخصوصيّة وهو الأمارة الخارجيّة القائمة بذلك ، نظرا إلى أنّها لازمة على كلّ تقدير.
وظاهر أنّ إعمال المقتضيين مع إمكانه أوفق بحكمة المتكلّم من إهمال أحدهما وإعمال الآخر من غير أن يترتّب عليه مزيّة معنويّة قاضية برجحان الإهمال ، مضافا إلى أنّ قرينة إفادة الخصوصيّة توجب على الأوّل صرف المعنى وهو الطبيعة إلى بعض أفرادها.
وعلى الثاني توجب صرف اللفظ إلى ذلك الفرد كما هو شأن القرائن الصارفة في سائر المجازات.
ولا ريب أنّ الأوّل أهون من الثاني ، إذ لا يزاحمها في صرف المعنى شيء بخلاف صرفها اللفظ الّذي يزاحمها فيه الوضع الثابت لذلك اللفظ.
الأمر الثاني : قضيّة ما قرّرناه من الفرق بين التعييني والتخييري كون الأمر حيثما ورد بملاحظة إطلاق متعلّقه ظاهرا في التعييني ظهورا سكوتيّا حاصلا عن ملاحظة ترك بيان ما يقتضي تقييده ، لا ظهورا وضعيّا ولا انصرافيّا كما هو الحال في سائر المطلقات بالقياس إلى ما يلحقها من التقييدات.
فمن هنا تبيّن أنّ الأصل في الوجوب إذا ثبت بالدليل اللفظي هو الوجوب التعييني ، فلو دار الأمر بينه وبين التخييري في موضع الاشتباه كما لو ورد أمران متعاقبان بشيئين يمكن الجمع بينهما في الامتثال ولو على التفريق مع إسقاط العاطف المحتمل كونه « واو » الجمع أو كلمة الترديد كما لو قال : « قم صلّ » أو قال : « صلّ الجمعة صلّ الظهر » يحمل عليه خاصّة من غير توقّف ، ولا يلتفت إلى احتمال التخيير لما قرّرناه من قضيّة الظهور ، فإنّ الظاهر هو الحجّة ولا يعارضه مجرّد الاحتمال ، مضافا إلى قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ، ويؤيّده قاعدة الشغل واستصحاب الأمر ، ولا يعارضهما أصل البراءة هنا.
ولقد نصّ بذلك جماعة منهم بعض الأفاضل في قوله : « كما ينصرف الأمر حين الإطلاق إلى الوجوب كذا ينصرف إلى الوجوب النفسي المطلق العيني التعييني ».
ثمّ أخذ بالاستدلال على ما ادّعاه من الانصراف بالنسبة إلى كلّ من الامور المذكورة حتّى قال : « وأمّا بالنسبة إلى العيني التعييني فظاهر ، لوضوح توقّف قيام فعل الغير مقام فعل المكلّف ، وكذا قيام فعل آخر مقام ذلك الفعل على ورود الدليل ».
ومن الأعاظم من نصّ بذلك أيضا حيث قال ـ بعد الفراغ عن الاستدلال بالوجوه