إذا تقرّر ذلك. فاعلم : أنّ دليل الخصم لو تمّ ، لكان دالاّ على بقاء الاستحباب ، لا الجواز فقط ، كما هو المشهور على ألسنتهم* (١) ، يريدون به الإباحة. ولا الأعمّ منه ومن الاستحباب ، كما يوجد في كلام جماعة. ولا منهما ومن المكروه ، كما ذهب إليه بعض ، حتّى أنّهم لم ينقلوا القول ببقاء الاستحباب بخصوصه إلاّ عن شاذّ ، بل ربما ردّ ذلك بعضهم نافيا للقائل به ، مع أنّ دليلهم على البقاء كما رأيت ينادي بأنّ الباقي هو الاستحباب.
___________________________________
والشكّ وزمانيهما ولأجل ذلك يعتبر فيه بقاء الموضوع ، ولا ريب في اختلافهما هنا باعتبار المحمول أيضا ، لأنّ القضيّة المتيقّنة هو قولنا : « الشيء الفلاني كان واجبا » والقضيّة المشكوكة هو قولنا : « الشيء الفلاني هل هو جائز أو لا؟ ».
ولا ريب أنّهما لا تندرجان فيما ظاهره اتّحاد القضيّتين موضوعا ومحمولا وغيرهما.
وأمّا الثاني : فلأنّ معارضة أصالة عدم وجود القيد كما ذكره المصنّف ممّا لا مدفع له ، وما تقدّم في دفعها من دعوى اليقين بوجوده بعد النسخ تمسّكا بعدم جواز ارتفاع النقيضين وغيره لا يخلو عن مغالطة ، لعدم كون نقيض المنع من الترك الإذن في الترك لأنّهما وجوديّان وتقابلهما بالتضادّ لا بالإيجاب والسلب ، بل نقيضه عدم المنع من الترك وهو اللازم من رفع المنع من الترك لا الإذن في الترك الّذي يحتاج إلى جعل آخر ، والأصل وعدم المنع من الترك لا يستلزمه لأنّه أعمّ والأعمّ لا يستلزم الأخصّ ، خصوصا مع ملاحظة ما قدّمناه سابقا من أنّ نسخ الحكم الشرعي لا يقتضي بدليّة حكم آخر عن الحكم المنسوخ لجواز خلوّ الواقعة عن الحكم المجعول رأسا ، وحينئذ فاستصحاب الجواز مع خلوّ الواقعة عن قيدي المنع من الترك والإذن فيه وعدم إفادته يقينا ولا ظنّا بالجواز لا يفيد فائدة ولا يجدي نفعا في انعقاد حكم آخر مكان الوجوب ، وانعقاد الجواز المشكوك فيه بنفسه حكما شرعيّا من غير لحوق أحد قيود الأحكام الأربع به غير معقول ، ولذا قال بعض الأعلام في كلامه السابق : « ويبقى المورد بلا حكم » (١) فإنّه متين بل في كمال المتانة.
فتقرّر أنّ الأقوى عندنا بالنظر إلى الأصل والاعتبار هو القول بعدم البقاء.
(١) * وهذا حقّ لا سترة عليه ، لأنّه إذا صلح جواز الفعل لإبقائه بعد النسخ بالاستصحاب
__________________
(١) القوانين ١ : ١٢٩.