وفيه نظر ، فإنّ التصريح بالنقيض يدفع ذلك الظاهر وينافيه قطعا. وليس بين قوله في المثال : « ولو فعلت لعاقبتك إلخ » ، وبين قوله : « نهيتك عنه » مناقضة ولا منافاة. يشهد بذلك الذوق السليم.
فالحقّ : أنّ الكلام متّجه في غير العبادات وهو الّذي مثّل به. وأمّا فيها ، فالحكم بانتفاء اللازم غلط بيّن ؛ إذ المناقضة بين قوله : « لا تصلّ في المكان المغصوب » و « لو فعلت لكانت صحيحة مقبولة » في غاية الظهور ، لا ينكرها إلاّ مكابر.
_______________________________
فبذلك يتبيّن أنّ ما ذكروه من الجواب عن الوجهين على ما حكيناه ليس شيء منه بشيء ، لعدم انطباقه في كلّ من وجهيه على احتجاج الخصم ومرامه من الدليل.
وممّا يرشد إلى صدق مقالتنا في توجيه الوجهين وإرجاعهما إلى دليل واحد ما قرّره في المنية من حجّة هذا القول بقوله : « احتجّا بأنّ المنهيّ عنه إمّا شرعي أو غير شرعي ، والثاني باطل لوجوب حمل اللفظ الوارد من الشارع على ما وضعه له وإلغاء غيره من موضوع اللغة والعرف كما في غير النهي ، ولأنّ النهي عن صلاة الحائض ليس عن الدعاء وكذا باقي ألفاظ الصور المذكورة ، وحينئذ نقول : ذلك المعنى الشرعي إمّا أن يمكن تحقّقه أو لا؟ والثاني باطل وإلاّ لما صحّ النهي عنه فإنّ المحال كما لا يصحّ الأمر به لا يصحّ النهي عنه ، وأيضا فإنّه لا يحسن أن يقال للمزمن : « لا تطف » و « للأعمى : لا تبصر » فثبت أنّ المنهيّ عنه هو المعنى الشرعي أعني الصحيح وهو ممكن التحقّق وهو المطلوب ».
وأجاب عنه السيّد ـ بعد ما حكي دفعه أوّلا : بالنقض بالأمثلة المتقدّمة من صور المنهيّ عنها لجريان الدليل فيها مع عدم صحّتها وفاقا.
وثانيا : بإمكان حمل النهي هنا على النسخ ، كما يقول الموكّل لوكيله في البيع : « لا تبع » فإنّه وإن كان نهيا بالصيغة إلاّ أنّه نسخ في الحقيقة ، والظاهر أنّ النسخ هنا اريد منه الإرشاد ـ فقال : « والحقّ أن يقال : إنّ الصلاة مثلا يصدق على الصحيحة والفاسدة لصحّة تقسيمها إليهما فهي أعمّ والعامّ لا يدلّ على الخاصّ ، وكذا البيع والنكاح وغيرهما ويمنع كون المعنى الشرعي هو الصحيح دون غيره وإلاّ لما صحّ أن يقال لمن صلّى صلاة فاسدة : « أعد صلاتك »